الأربعاء, 8 أكتوبر 2025 11:53 PM

هونركها ولات: كيف يعيد الفن إحياء الهوية الكردية؟

هونركها ولات: كيف يعيد الفن إحياء الهوية الكردية؟

في مواجهة الاتجاه العالمي نحو طمس الهويات القومية، يبرز محمود برازي وفريق "هونركها ولات" كمقاومين شرسين، حيث يسعون جاهدين لتعزيز الهوية الكردية. أعمالهم هي احتفاء أنيق وهادئ بهذه الهوية، بأسلوب جريء يمزج بين الحنين إلى الماضي والحداثة.

أغانيهم ومشاهدهم وقصصهم تنقل إحساسًا بأن التراث ليس خصمًا للفن، بل هو في حوار دائم معه، حيث يحتفي كل منهما بالآخر ويرفع من شأنه. موسيقاهم وأزياؤهم وألوانهم ومشاهدهم للحياة في روج آفا ليست مجرد تجميل، بل هي إعلان عن الوجود والاستمرار.

تدفع أعمالهم الكردي إلى الفخر بكرديته، وهو فخر نبيل وصحي لا يقوم على العنصرية أو التعصب، بل على الوعي والاحتفاء بالهوية. يتمتع محمود برازي ورفاقه بقدرة فريدة على استخراج الأغاني والقصص القديمة من رفوف التاريخ، وتنقيتها من غبار الماضي، وإعادة تقديمها بمزيج يجمع بين قيم الماضي ولغة الحاضر.

لا يقتصر عمل الفريق على إعادة إنتاج الأغاني القديمة بإيقاعات حديثة مع احترام الجذور، بل يروون قصصًا عن يومنا هذا بأسلوبهم الفريد، ويجعلون الموسيقى وسيلة لسرد الحكايات. أغنية "شرفانو" للمقاتلات والمقاتلين بدأت همسًا ثم تحولت إلى صراخ يملأ روژاڤا بشعار: ژن، ژيان آزادي "المرأة، الحياة، الحرية".

في كل عمل ينتجونه، توجد رسالة من الحنين أو الفخر المقترن بانتماء صادق للأرض والشعب والوطن. يتميز تعاملهم مع إنتاجهم الفني بحساسية ووعي عميقين. فأغانيهم القديمة ليست تراثًا جامدًا ينتمي إلى المتاحف، وأغانيهم الجديدة ليست مجرد موضة عابرة منقطعة عن الماضي.

الخط الفاصل بين الماضي الجميل والحاضر الحي يمثل معضلة للكثير من الفنانين، لكن "برازي وهونركها ولات" تمكنوا من الرقص فوق هذا الحبل بثقة، وتحويله إلى خط الحياة في أعمالهم. تكمن عبقريتهم في قدرتهم على تغيير مزاج الجمهور، فنشعر بالغضب لفعلهم والفرح لفرحهم. قليلون هم الفنانون الذين يستطيعون نقل مشاعرهم إلى الجمهور بهذه السلاسة، وبرازي وفرقته من القلائل في المشهد الكردي.

في أغنيتهم "لە قامشلۆ لە بەر دەری"، تمتزج ابتسامة قصص الحب اليومية في المدينة بصوت دافئ يقول: لن نبدل هذه الأرض بالدنيا كلها. وفي عمل آخر، "نازی نێرگزی حەوشي"، قدموا أداءً بالصوت دون آلات، وكان أصدق رد كردي على وباء كورونا، وبينوا كيف يمكن تحويل العزلة إلى فرصة للإبداع.

بعد كل مشاهدة لعمل من أعمالهم، تبقى التفاصيل محفورة في الذاكرة: الأزياء، الألوان، المشاهد، الموسيقى، لتترك ذاكرة متوهجة ورغبة حقيقية في مشاركة أعمالهم مع من نحب. لشعب تعرضت هويته للتهميش، تُعد أعمال "محمود برازي وهونركها ولات" فعلاً يحمي الهوية الكردية ويكرس الفن لتحريرها. أعمالهم ليست فنونًا استعراضية، بل هي سردية جديدة للهوية الكردية، وللثقة بأنها ما زالت حية وملهمة. إنهم يذكروننا باستمرار بأن هويتنا لم تندثر، ويمكن إحياؤها والاحتفاء بها ورفعها من جديد في هذا العصر. وكل من يحاول طمس الهوية الكردية الحقيقية لمجتمعاتنا، يجد نفسه في مواجهة هذا النوع من الفن الخطر على مشاريعه، الفن الذي يعيد تعريف المجتمع ويبعث الهوية من جديد. إلى محمود برازى وهونەرگەها وڵات: شكرًا لكم على ما زرعتموه من اعتزاز بالانتماء.

مشاركة المقال: