الخميس, 9 أكتوبر 2025 08:21 PM

بلال شوربة: جداريات تحكي قصة الثورة السورية بالألوان من قلب الركام

بلال شوربة: جداريات تحكي قصة الثورة السورية بالألوان من قلب الركام

دمشق-سانا: وسط أنقاض الأبنية المدمرة، تنطق الجدران بلغة الألوان والخطوط، محولة المساحات المهملة إلى لوحات نابضة بالحياة. هذه اللوحات تشكل وثائق حية تنقل وجع الوطن وتفضح القمع الذي مارسه النظام البائد، وذلك عبر فن الغرافيتي الذي كان أحد أجرأ وأصدق أشكال التعبير خلال سنوات الثورة السورية.

الفنان بلال شوربة، المعروف بـ"رسام داريا" أو "أبو مالك الشامي"، حوّل جدران داريا بريف دمشق والشمال السوري إلى دفتر مفتوح يسجل فيه آلام الناس وأحلامهم. ترك بصمته في أحياء عدة، حاملاً رسالة فنية واجتماعية تتجاوز حدود الشكل إلى عمق الفكرة.

البداية من اللافتات

أوضح الفنان شوربة، ابن مدينة داريا، في حديثه لسانا، أنه قبل عام 2011 كان يهتم بالرسم كهواية لملء وقت الفراغ. لكن عندما بدأت الثورة السورية، شكلت منعطفاً محورياً في حياته. لاحظ في بدايتها أهمية اللافتات وتأثيرها على الإعلام وإمكانية توجيه رسائل مباشرة من خلالها، فاستحوذت على اهتمامه، وأصبح يضيف إليها بعض الرسومات الخفيفة والرموز.

جداريات الثورة في داريا

يقول شوربة: "عانت داريا الكثير من الدمار والخراب على يد النظام البائد، فقمت بالرسم وكتابة بعض العبارات على جدران بيوتها المدمرة، رغم أنني لم أتلق أي تدريب." شاهد الإعلامي الشهيد مجد معضماني رسوماته، وطلب منه حينها رسم جداريات في أنحاء المدينة كحملة لبث الأمل وتجديد روح الثورة. فبدأ تنفيذ أول جدارية تحمل معاني ثورية ورسائل توعوية عام 2014، وكانت عبارة عن تصميم لأحد الشباب الثوريين في الخارج.

تأثر فني واسع وتجربة تُجسّد الإصرار رغم الحصار

أشار شوربة إلى أنه في البداية تأثر بعمل فناني الثورة في عامودة وحلب وكفرنبل وسراقب دون معرفته الشخصية بهم. كما تأثر بالفنان علي فرزات الذي اعتدى عليه النظام بسبب رسوماته، واستفاد من الفنان البريطاني بانكسي المشهور بأعماله الفنية ذات الطابع السياسي وأسلوبه الترميزي.

ويستذكر شوربة أسماء فنانين دعموه معنوياً وزودوه بالمعلومات والملاحظات، مما ساعده على تطوير أعماله، مثل ديالا برصلي وهاني عباس ومحمود سلامة.

وتابع شوربة: "بعد أن زادت ثقتي بنفسي، بدأت التفكير بأعمال خاصة نابعة مما نفكر به ونريد إيصاله، فكانت جدارية 'hope'، وهي رسمة لطفلة صغيرة تقف على جبل من الجماجم لتكتب كلمة أمل. كان لهذه اللوحة انتشار واسع، وعرضت في مجلات ومواقع عالمية، ونشرت ضمن أفضل 15 صورة بمجلة نيويورك تايمز لعام 2025، وسجل حينها أن الفنان مجهول."

الدمار الكبير في داريا كان دافعاً كبيراً لتحدي آلة النظام البائد الوحشية، فكانت الجداريات دليلاً بصرياً صارخاً على الرغبة بالحياة. ويلفت شوربة في هذا الصدد إلى استخدامه أسلوباً مقارباً بتبسيط الأفكار واعتماد رسم أيقوني، وجعل المكان جزءاً من اللوحة والفكرة المراد إيصالها، حيث رسم في داريا 30 جدارية خلال فترة الحصار من 2014 حتى التهجير 2016.

وأضاف شوربة: "إن التجربة في داريا كانت صعبة بسبب الحصار والقصف المستمر وشح مواد الرسم والألوان، مما اضطرني للذهاب إلى إدلب لاستمرار العمل، حيث رسمت مع عدد من الفرق مثل إيماءة وحملة عيش والدفاع المدني ما يزيد على 70 جدارية بمناطق شمال سوريا."

وقال شوربة: "لم أتلق أي دعم مادي ولا أجور مقابل الرسم، وعند حصار داريا استطعنا تأمين المستلزمات من المحلات المدمرة بصعوبة، وفي إدلب كنت أدخر من مصروفي في العمل لتأمين مستلزمات الرسم، وكان بعض الأصدقاء يقدمون المساعدة بتأمين التصوير ونقل المعدات."

الفن رسالة بكل اللغات

وقال شوربة: "الفن وسيلة وأداة يجب أن نستخدمها لنصرة قضيتنا والتعبير عن تضحيات شعبنا، واستطعنا من خلاله الوصول لفئات عالمية واسعة، وكان سبباً للتعريف بقضية الشعب السوري والتضامن معه."

وختاماً، نصح شوربة الفنانين الشباب الذين يودون التعبير عن قصصهم عبر الفن أن يثقوا بأنفسهم، ويقدموا بقوة ومسؤولية على ما يؤمنون به ويعملون من أجله، (الشهداء والمفقودين والمصابين وذويهم)، وأن يجعلوا من الظروف الصعبة تحدياً للاستمرار والإنجاز في سبيل نصرة الحق.

وللفنان الشاب بلال شوربة أكثر من 70 جدارية في أحياء وبلدات مختلفة، جعل منها ذاكرة حية توثق جرائم النظام البائد، وتستحضر أصوات الضحايا.

مشاركة المقال: