في خطوة مفاجئة، صوّت مجلس الشيوخ الأمريكي يوم الجمعة على إلغاء "قانون قيصر" كجزء من مشروع قانون الدفاع الوطني لعام 2026. وقد وصف أعضاء من التحالف السوري الأمريكي للسلام والازدهار والمجلس السوري الأمريكي هذا القرار بأنه تحول كبير في السياسة الأمريكية تجاه سوريا، ويمثل بداية حقبة جديدة نحو إنهاء العقوبات التي أثقلت كاهل الاقتصاد السوري لسنوات.
القرار، الذي حظي بدعم واسع داخل المجلس، يمثل خطوة أولى نحو إنهاء العقوبات التي وُصفت بأنها أضرت بالشعب السوري وأبطأت التعافي الاقتصادي للبلاد، وفقًا لتصريحات عدد من النواب الأمريكيين ومسؤولي التحالفات السورية – الأمريكية.
ووصف الدكتور سامر الصفدي، استشاري التحالف السوري الأمريكي، هذا التصويت بأنه "لحظة أمل" بعد سنوات من العزلة الاقتصادية والضغوط الدولية، مشيرًا إلى أنه قد يفتح الباب أمام مرحلة من الإعمار وفرص العمل والحياة الكريمة. وفي حديث لمنصة سوريا 24، قال الصفدي: "إنها لحظة تاريخية طال انتظارها... هذا القرار يعني أننا نبتعد أخيرًا عن العزلة ونتجه نحو مستقبل من الإعمار وفرص العمل والحياة الكريمة".
من جهته، أعلن محمد علاء غانم من المجلس السوري الأمريكي، عبر حسابه على منصة X، أن مجلس الشيوخ أقرّ مادة صريحة ضمن ميزانية الدفاع تنصّ على إلغاء قانون قيصر دون قيد أو شرط نهاية هذا العام، مضيفًا أن التصويت جرى بنتيجة 77 مؤيدًا مقابل 22 معارضًا فقط. وأوضح غانم أن المادة التي أُقرّت "تمثل نصرًا دراماتيكيًا بكل ما تعنيه الكلمة"، بعد معركة تشريعية وسياسية طويلة، مؤكدًا أن التحالف نجح في تعديل الصيغة النهائية بحيث لم تعد البنود السابقة شروطًا ملزمة يمكن أن تعيد العقوبات تلقائيًا في حال الإخفاق في تطبيقها، بل تحولت إلى أهداف غير ملزمة تراجع كل 12 شهرًا من قبل الكونغرس.
وأشار إلى أن هذه الصيغة تفشل مساعي بعض الأطراف التي كانت تسعى لجعل قانون قيصر "سيفًا مسلطًا على رقاب المستثمرين الراغبين في دخول السوق السورية"، مضيفًا أن الموازنة تضمنت أيضًا مادة تطالب الإدارة الأمريكية بتقديم تقرير حول جهود إعادة افتتاح السفارة الأمريكية في دمشق، ما يعد مؤشرًا إضافيًا على رغبة واشنطن في إعادة الانخراط الدبلوماسي مع سوريا.
من جانبه، قال النائب الأمريكي جو ويلسون في منشور على منصة X: "ممتن لأن مجلس الشيوخ أقر إلغاء قانون قيصر كجزء من قانون تفويض الدفاع الوطني. لقد فُرضت هذه العقوبات القاسية جدًا على نظام لم يعد موجودًا لحسن الحظ، ونجاح سوريا الآن يعتمد على الإلغاء الكامل والتام". وعدّ ويلسون التصويت خطوة باتجاه "دعم الشعب السوري واستعادة الحياة الطبيعية بعد معاناة طويلة".
التحالف السوري الأمريكي للسلام والازدهار أصدر بيانًا قال فيه: "للملايين من السوريين في الداخل والخارج، هذه لحظة أمل وتذكير بأن العالم بدأ أخيرًا يسمع صوتكم". أما فاروق بلال، رئيس المجلس السوري الأمريكي، فعبّر عن فرحته قائلاً: "رُفعت العقوبات عن بلدنا الحبيب، اليوم بداية جديدة لسوريا أكثر انفتاحًا واستقرارًا".
بدوره، قال وزير الخارجية أسعد الشيباني عبر منصة أكس: "على مدى الأشهر الماضية، وبتوجيهٍ من فخامة الرئيس أحمد الشرع، وبعزيمة فريقي في وزارة الخارجية، عملنا على رفع أحد أثقل الأعباء التي كبّلت وطننا اقتصاديًا وسياسيًا، قانون قيصر". وتابع: "خطوة تُعيد لسوريا أنفاسها الأولى، وتفتح أمامها طريقًا جديدًا نحو البناء والتعافي. بها تُستعاد كرامة الإنسان السوري وحقّه في أن يعمّر أرضه ويصنع مستقبله، وتستعيد مؤسسات الدولة نبضها لتنهض وتزدهر".
وقال أيضًا: "إنها بداية عهدٍ جديد من البناء والإحياء، عهدٌ يقوم على الكرامة والعدالة، وسنواصل عملنا من أجل سوريا التي نحلم بها، وفاءً لشهدائنا الأبرار، ولأمهات المفقودين، وللمعتقلين، وللأيتام، ولكل سوري عانى من وحشية نظام الأسد، ذاك الذي نتحرّر اليوم من آخر ظلاله".
من جانبه، توجّه مدير إدارة الشؤون الأمريكية في وزارة الخارجية والمغتربين، قتيبة إدلبي، بالشكر لأعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي الذين زاروا سوريا واطّلعوا على الواقع عن قرب، ورحبوا بنا في واشنطن قبل أسابيع، وساهموا بشجاعة في تصحيح السياسات السابقة تقديراً لمعاناة الشعب السوري ورغبته في النهوض من جديد، حسب تعبيره على منصة "إكس". وقال: "سوريا اليوم تفتح صفحة جديدة من الشراكة والاحترام المتبادل نحو مستقبلٍ بلا عقوبات، مستقبل الكرامة والتنمية والازدهار. فالمساعي الدبلوماسية السورية ستستمر لضمان الإلغاء الكامل والعادل لقانون قيصر، بما يرفع كل أشكال العقوبات عن الشعب السوري ويتيح له استعادة فرصه في الحياة الكريمة والتنمية".
وأكّد أن: "إلغاء قانون قيصر أُقرّ ضمن مشروع قانون الدفاع الوطني الأمريكي، في استجابة للتحوّلات الإيجابية التي تشهدها سوريا والجهود البنّاءة". ورحّب وزير المالية السوري، يسر برنية، بالتصويت، وكتب على حسابه في فيسبوك: "خبر مفرح قبل قليل بإقرار مجلس الشيوخ الأمريكي، في إطار موازنة وزارة الدفاع، مادة لإلغاء قانون قيصر". وأوضح الوزير أن الخطوة المقبلة ستكون عبر مواءمة نسخة مجلس النواب مع ما أقرّه مجلس الشيوخ من خلال لجنة مشتركة، وصولاً إلى توقيع الرئيس الأمريكي على الموازنة قبل نهاية العام، وهو ما سيُدخل الإلغاء حيّز التنفيذ.
وأضاف الوزير أن النسخة التي نالت رضى المشرّعين الأمريكيين تضمنت مادة تدعو إلى إعادة افتتاح السفارة الأمريكية في دمشق لتعزيز العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، معتبراً أن "الدبلوماسية السورية نجحت في التخلّص من آخر وأشدّ العقوبات الأمريكية المفروضة على البلاد". وختم بالقول: "العقوبات خلفنا إن شاء الله، ولا طريق لنا إلا نحو الإعمار والإصلاح والتنمية. إنها رسالة واضحة لكل المشكّكين بمسار ومستقبل سوريا: نحن نحو الاستقرار والازدهار بعون الله".
وتتمثل الخطوة المقبلة في دخول نسخة مجلس الشيوخ مرحلة التفاوض مع مجلس النواب لصياغة النسخة النهائية من قانون الدفاع الوطني، والتي سيوقّع عليها الرئيس الأمريكي قبل نهاية العام. ورغم أن القرار ما يزال بحاجة إلى مصادقة مجلس النواب والرئيس الأمريكي، فإن التصويت في مجلس الشيوخ شكّل نقطة تحوّل كبرى، ورسالة سياسية واضحة بأن الولايات المتحدة تتجه لتغيير مقاربتها تجاه دمشق، بعد أكثر من عقد من العقوبات والعزلة.