السبت, 11 أكتوبر 2025 02:12 AM

من ريف درعا إلى السوربون: رحلة باحثة سورية تحوّل الذاكرة والوجع إلى رسالة أكاديمية

من ريف درعا إلى السوربون: رحلة باحثة سورية تحوّل الذاكرة والوجع إلى رسالة أكاديمية

من بلدة معرِبَة في ريف درعا الشرقي، حيث بدأت سارة العويد سنوات دراستها الأولى، إلى جامعة السوربون في باريس، حيث تعمل اليوم كباحثة في الأدب العربي الحديث، امتدت رحلة طويلة حملت معها حكاية جيل سوري أنهكته السجون ومزقته الحرب، لكنه لم يستسلم في رواية الحقيقة.

ذاكرة التهجير… وبحث عن العدالة

في عام 2012، غادرت العويد مع أسرتها سوريا إلى الأردن، بعد تصاعد وتيرة القمع في الجنوب السوري، ثم انتقلت إلى فرنسا في عام 2014، لتبدأ مسيرتها الأكاديمية الجديدة. بعد سنوات من الدراسة والتأقلم، التحقت بجامعة السوربون في عام 2019، حاملةً معها ذاكرة قهر واعتقال وتعذيب، لتوظفها في بحث يُسلط الضوء على واحدة من أكثر القضايا السورية إيلاماً: السجون والمعتقلات.

تقول سارة: "كل ما رأيته وعشته بقي داخلي، من اعتقال أبي وأصدقائه، إلى صورة حمزة الخطيب التي علقت في روحي، لم أستطع تجاهل كل هذا حين قررت موضوع بحثي".

من “القوقعة” إلى “يسمعون حسيسها”

بدأت سارة عملها البحثي برواية القوقعة لمصطفى خليفة، لما تحمله من توثيق دقيق لمعاناة السجناء، لكنها لاحقاً اختارت يسمعون حسيسها لأيمن العتوم، بعد أن شعرت أن صوت الضحايا يستحق أن يُسمع من جديد بلغة تصل وتقنع. ورغم أن أستاذها المشرف رأى أن هذه الروايات قد نالت نصيبها من الدراسات، أصرت على المضي في بحثها، مدفوعةً برغبة في تقديم رواية أكاديمية لا تفقد إنسانيتها.

توضح سارة: "البحث المنهجي يفرض عليك الحياد، لكنه لا ينتزعك من ذاكرتك"، مؤكدة أن التحدي الأكبر كان الموازنة بين التحليل الأكاديمي والتجربة الشخصية.

مشاهد التعذيب… بين التوثيق والتحليل

ينقسم البحث إلى عدة أقسام تناولت مشاهد التعذيب الوحشية في الرواية، مع مقارنتها بشهادات حقيقية لناجين، من بينهم عمر الشغري. وقد توقف البحث عند تفاصيل مثل الشنق على أنغام فيروز وأم كلثوم، وتحليل الأثر النفسي لهذه الأساليب. كما رصدت الدراسة أثر الأدب التوثيقي على المتلقين، بالاعتماد على مقابلات وآراء منشورة، وأبرزت أيضاً حضور الأمل والتكافل الإنساني بين السجناء، الذين كانوا يتقاسمون أبسط الأشياء، ويدعمون بعضهم نفسياً داخل بيئة القهر والعزلة.

الذاكرة والرسالة

ترى العويد أن هدفها لم يكن فقط أكاديمياً، بل رسالة إلى العالم تقول فيها: "لم نكن إرهابيين، بل بشراً صرنا ضحايا، وذاكرتنا ما زالت حيّة". قارنت في بحثها بين أعمال مثل القوقعة وبيت خالتي لمصطفى خليفة، وبالخلاص يا شباب لياسين الحاج صالح، مؤكدة أن هذه الروايات تشكل أرشيفاً حيّاً لا يمكن تجاهله.

ملف السجون… لا مكان للنسيان

أما عن واقع السجون في سوريا اليوم، فترى سارة أنه ملف مؤلم ومربك، قائلة: "بعد الإفراج عنهم، تُرك السجناء لمصيرهم دون دعم نفسي أو إعادة تأهيل، هم بحاجة إلى برامج رعاية حقيقية، تحفظ كرامتهم وتعيد دمجهم". وتشدد على أن جبر الضرر لا يقتصر على التعويض المادي، بل يشمل حفظ الذاكرة وتكريم الضحايا، بل وتحويل السجون نفسها إلى "مزارات" تروي للتاريخ ما حدث.

من المنفى… إلى حلم الوطن

رغم الغربة، تقول سارة إن حلمها هو إكمال الدكتوراه والمساهمة في بناء وطن يعترف بآلام ناسه، وتختم حديثها بالقول: "الغربة تصنع جروحاً، لكنها تفتح نوافذ على ضوء جديد. القصة ليست شهادة علمية فقط، بل إيمان بأن الإرادة أقوى من المنفى، وأننا سنظل نحمل حكاية بلادنا حتى نعود".

مشاركة المقال: