عنب بلدي – عمر علاء الدين – في تطور لافت يخص العلاقات السورية الأمريكية، شهد مجلس الشيوخ الأمريكي في العاشر من تشرين الأول الحالي تمرير تعديلات تقضي بإلغاء قانون "قيصر" للعقوبات المفروضة على سوريا. وقد استقبل السوريون هذا الخبر بترحاب حذر، مع الإشارة إلى أن هذه الخطوة تتطلب موافقة مجلس النواب الأمريكي، قبل رفعها إلى الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب.
وتتضمن بنود إلغاء قانون "قيصر" شروطًا يتعين على الحكومة السورية تنفيذها من أجل التطبيق الكامل للإلغاء. وجاءت هذه التعديلات عقب زيارة قام بها الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، وفريقه وعلى رأسه وزير الخارجية، أسعد الشيباني، إلى الولايات المتحدة، على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك، في نهاية أيلول الماضي. كما لعبت الجالية السورية في أمريكا دورًا في تمرير هذا القانون، بعد أشهر من المساعي التي تخللتها معارضة من أطراف سورية مثل "رابطة العلويين"، وأطراف أخرى كإسرائيل، التي تتمتع بنفوذ قوي في الكونجرس، بدعم من أعضاء مثل ليندسي غراهام.
أُقر إلغاء قانون "قيصر" في نسخة مجلس الشيوخ من ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية، بعد حصوله على 77 صوتًا مؤيدًا مقابل 22 صوتًا معارضًا. وتضمنت الحزمة مجموعة من البنود التي يجب على الحكومة السورية الالتزام بها، والتي ستعيد تفعيل العقوبات تلقائيًا في حال عدم الالتزام بها.
وقد رحبت الخارجية السورية في بيان بتمرير إلغاء القانون، معتبرة أن استمراره بعد زوال النظام سيخلف آثارًا إنسانية واقتصادية وخيمة على الشعب السوري، وسيؤثر سلبًا على حياة المدنيين في مختلف القطاعات. وأوضحت الوزارة أن هذا القرار يمثل "خطوة بناءة" نحو تصحيح مسار العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة الأمريكية، بما يسهم في "تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي"، ويفتح المجال أمام فرص واعدة للتعاون الإنساني والاقتصادي.
من جانبه، أعرب عضو الكونجرس الأمريكي جو ويلسون، عبر حسابه على منصة "إكس"، عن امتنانه لإقرار مجلس الشيوخ إلغاء قانون "قيصر" كجزء من قانون تفويض الدفاع الوطني. وأضاف ويلسون أن هذه العقوبات القاسية فرضت على نظام لم يعد قائمًا، معتبرًا أن "نجاح سوريا الآن يعتمد على إلغاء هذه العقوبات بالكامل".
يذكر أن واشنطن فرضت قانون العقوبات المعروف باسم "قيصر" في حزيران 2020، والذي نص على فرض عقوبات مالية على مسؤولين سوريين ورجال أعمال وكل أجنبي يتعامل مع دمشق، وتجميد مساعدات إعادة الإعمار. كما حظرت الولايات المتحدة تقديم أي دعم مالي أو تكنولوجي للنظام في سوريا، بموجب سلسلة العقوبات التي أقرتها على مدار السنوات الماضية.
اعتبر عضو مجلس إدارة المجلس السوري الأمريكي، زكي لبابيدي، أن ما جرى يمثل خطوة في "الاتجاه الصحيح"، مشيرًا إلى الجهود التي بذلتها المنظمات السورية الفاعلة في الولايات المتحدة لتمرير إلغاء القانون. وأشار لبابيدي إلى عقبتين رئيسيتين تواجهان إلغاء "قيصر"، الأولى هي نفوذ "اللوبي" الإسرائيلي في واشنطن، والثانية هي تقديم النائب الأمريكي مارك لولر مشروعًا لتمديد القانون بدلًا من إلغائه.
وفي مجلس الشيوخ، قدم السيناتور ليندسي غراهام، تعديلًا على قرار تعليق قانون عقوبات "قيصر" على سوريا، نيابة عنه وعن عضو المجلس كريس فان هولن. ووفقًا لموقع الكونجرس الأمريكي، فإن غراهام قدم تعديلًا ينص على أن "التعليق لن يكون مطلقًا" بل مشروطًا بجملة من الالتزامات الصارمة تُفرض على الحكومة الانتقالية وتُتابع دوريًا، وتتضمن:
- الانضمام رسميًا إلى التحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة".
- الالتزام بمحاربة "الإرهاب".
- حماية حقوق المكونات الدينية والإثنية وضمان مشاركتها السياسية.
- الحفاظ على علاقات سلمية مع دول المنطقة بما فيها إسرائيل.
- وقف دعم أو إيواء التنظيمات المصنفة "إرهابية".
- إخراج المقاتلين الأجانب من مؤسسات الدولة والأمن.
- محاسبة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات منذ كانون الأول 2024.
وأكد لبابيدي أن شهرين من العمل المتواصل واللقاءات مع أعضاء الكونجرس كان لها دور في إزالة هذه العقبات. ويرى أن اللغة التي جرى التصويت بها على مشروع إلغاء "قيصر" "ممتازة جدًا"، لأنها تعني أنه في حال إلغاء القانون لا يمكن العودة إليه إلا في حالة إقرار عقوبات جديدة، معتبرًا أن هذا غير متوقع في السياسة الأمريكية.
كما اعتبر زكي لبابيدي أن زيارة وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، إلى الولايات المتحدة في أواخر أيلول الماضي، ساعدت في تسهيل تمرير إلغاء العقوبات، مشيرًا إلى أن وزارة الخارجية السورية قرأت كيف تعمل واشنطن، وعملت وفق ذلك. وزار الشيباني واشنطن، في 15 من أيلول الماضي، والتقى عددًا من أعضاء الكونجرس الأمريكي، بحضور المبعوث الأمريكي إلى سوريا، توم براك. والتقى الشيباني في واشنطن عددًا من المسؤولين في وزارة الخزانة الأمريكية، حيث جرى بحث سبل إعادة "ربط الاقتصاد السوري بالنظام المالي العالمي" بشكل مسؤول وآمن، وبما يضمن تعزيز الجهود المشتركة في مكافحة تمويل الإرهاب.
وخلال زيارته، التقى الشيباني بالسيناتور الأمريكي ليندسي غراهام، حيث جرى بحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين سوريا والولايات المتحدة، ورفع العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا، إضافة إلى لقائه بعضو مجلس النواب الأمريكي جو ويلسون، الذي قال إن إدارة ترامب أتاحت "فرصة تاريخية لفصل جديد، يعود بالنفع على الجميع"، وأشار إلى أن على الكونجرس الآن أن يتحرك لإلغاء قانون "قيصر".
وأشار زكي لبابيدي إلى أن زيارة الرئيس السوري، أحمد الشرع، إلى نيويورك، في 22 من أيلول الماضي، حققت اختراقات في هذا الملف، إضافة إلى أن المبعوث الأمريكي، توم براك، التقى عددًا من أعضاء مجلس الشيوخ والنواب، لـ"تأمين مرور القانون دون عوائق".
وفي 23 من أيار الماضي، أعلنت الولايات المتحدة رسميًا رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، في تحول للسياسة الأمريكية بعد الإطاحة برئيس النظام السابق بشار الأسد، يفسح المجال أمام استثمارات جديدة في البلد الذي دمرته الحرب. وفي 13 من أيار، أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عن قراره رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا، وقال خلال كلمة له في منتدى "الاستثمار السعودي الأمريكي"، "آن الأوان لمنح سوريا الفرصة، وأتمنى لها حظًا طيبًا".
أوضح زكي لبابيدي أن القانون يحتاج الآن إلى تصويت في مجلس النواب ثم يجري التوافق على مشروع لرفعه للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، للتوقيع عليه. وفي 20 من تموز الماضي، حاول النائب مارك لولر تقديم مشروع يبقي قانون "قيصر" عامين متتاليين، مقابل شروط تنفذها الحكومة السورية، لكن المجلس استطاع إلغاءه، بفضل ضغوط وتواصلات مع أعضاء مجلس النواب جو ويلسون وماكسين ووترز ورشيدة طليب.
وفي 9 من أيلول الماضي، قال محمد علاء غانم عضو المجلس السوري الأمريكي، إن لجنة القواعد والأحكام في مجلس النواب، رفضت جميع التعديلات على مشروع موازنة الدفاع المتعلقة بالسياسة الخارجية، بما في ذلك تعديلات قانون "قيصر". وجاء ذلك بسبب اتفاق عقده رئيس مجلس النواب الأمريكي، مايك جونسون، لتفادي جعل مشروع الموازنة محل خلاف بين الحزبين "الجمهوري" و"الديمقراطي"، ولضمان الحصول على أصوات الديمقراطيين لإجازة المشروع.
وتعمل الجالية السورية، وفق زكي لبابيدي، على حل المشكلة في مجلس النواب، حيث ستحدد التوازنات السياسية في الولايات المتحدة رفع العقوبات الكامل من عدمه. ووعد لبابيدي بأنه بحلول 2026، ستكون العقوبات مرفوعة بالكامل، حتى يتسنى للشركات الكبيرة الدخول والاستثمار. ومن المتوقع أن يخضع قانون موازنة الدفاع، الذي يتضمن تعديلات إلغاء "قيصر"، للتفاوض بين مجلس الشيوخ والنواب قبل نهاية العام الحالي، قبل أن يرفع القانون إلى الرئيس الأمريكي لتوقيعه.