الأحد, 12 أكتوبر 2025 04:40 PM

سوريا تستعد لإصدار عملة جديدة: هل ينجح حذف الأصفار في حل الأزمة الاقتصادية؟

سوريا تستعد لإصدار عملة جديدة: هل ينجح حذف الأصفار في حل الأزمة الاقتصادية؟

تستعد سوريا لإصدار أوراق نقدية جديدة بعد حذف صفرين من العملة، في خطوة تهدف إلى معالجة الأزمة النقدية، وفقًا لما ذكرته عنب بلدي نقلاً عن لمى دياب. سيتم إدخال العملة الجديدة بكميات مدروسة تتناسب مع حجم الاقتصاد الوطني، وذلك وفقًا لأحكام قانون مصرف سوريا المركزي رقم "23" لعام 2002 (قانون النقد الأساسي).

بينما تبرر الجهات الرسمية هذه الخطوة بضرورتها لتبسيط المعاملات اليومية واستعادة الهوية النقدية، وتمهيد الطريق للإصلاح الاقتصادي، يحذر خبراء الاقتصاد من أن تكون بمثابة "علاج شكلي" إذا لم تترافق بحزمة إصلاحات هيكلية.

مبررات الخطوة

يلخص الدكتور حسن حزوري، الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة "حلب"، المبررات الاقتصادية لإصدار عملة جديدة وحذف صفرين في ثلاثة جوانب:

  • تبسيط المعاملات والرسائل النفسية: يرى الدكتور حزوري أنه عند انهيار قيمة العملة تصبح الأرقام كبيرة ومزعجة للمواطنين والتجار، فحذف الأصفار يسهل الحسابات اليومية ويعطي إحساسًا بترتيب الحسابات، وهذا التأثير يدعى "تأثير نفسية الثقة"، لكنه لا يغير القوة الشرائية الحقيقية إلا إذا رافقته سياسات أخرى.
  • استبدال أوراق انتشرت فيها صور ورموز سياسية تمثل عهد نظام السابق: يتعلق الأمر أيضًا بالهوية النقدية الجديدة بعد انتصار الثورة السورية.
  • محاولة لإصلاحات نقدية وتثبيت سعر الصرف أو توحيده: يوضح الدكتور حزوري أن العديد من الدول تستخدم "السلسلة الجديدة" كفرصة لإعادة ضبط سعر الصرف الرسمي أو تطبيق إجراءات تقنين النقد وإعادة بناء الاحتياطيات، لكن هذه الخطوة لا تخفض التضخم تلقائيًا، فذلك يتطلب سياسات نقدية ومالية واقتصادية أوسع.

ويؤكد الدكتور حزوري أن حذف الأصفار يعد علاجًا شكليًا ما لم يصاحبه ضبط للإنفاق، وسياسات مالية أقل اختلالًا، ووجود احتياطيات عملة أجنبية أو آليات لاستعادة الثقة.

أثر تغير العملة على السيادة النقدية

يشير الدكتور حسن حزوري إلى أن الأثر المباشر للإصدار الجديد للعملة السورية سيكون محدودًا على السيادة النقدية، وعلى معالجة تداول العملات الأجنبية الموجودة داخل سوريا. فإصدار ورقة نقدية جديدة أو حذف أصفار لا يغيّر العرض الحقيقي للعملة، ولا يعالج أسباب "دولرة" الاقتصاد، وفقدان الثقة بالعملة المحلية، وارتفاع التضخم، وندرة السلع المستوردة وتسعيرها بالدولار الأمريكي أو الليرة التركية.

لذلك، فإن الأثر المباشر على تداول الدولار الأمريكي أو الليرة التركية داخل السوق سيكون محدودًا ما لم تعد ثقة المواطن في أن سعر الصرف ثابت أو قابل للإدارة. ويضيف أن استعادة السيادة النقدية تتطلب مزيجًا من:

  • سياسة سعر صرف واضحة (إن أمكن توحيد الأسعار الرسمية والسوقية).
  • ضبط مالي (خفض العجز الحكومي أو تمويله بآليات غير مطبوعة).
  • بناء احتياطيات عملة أجنبية أو آليات تمويلية (قروض، تحويلات، شراكات تجارية) لتغطية الواردات الأساسية.
  • إجراءات لتعزيز الثقة المصرفية: تحويل الودائع، شفافية البنك المركزي، وتمكين القطاع المصرفي.

ويرى الدكتور حزوري أنه عند توفر هذه الشروط يمكن للعملة الجديدة أن تسهم في تقليل الاعتماد على النقد الأجنبي.

مخاطر فشل الاستبدال

يحذر الدكتور حسن حزوري من أن هناك مخاطر متوقعة في حال فشلت عملية الاستبدال، تشمل زيادة فقدان الثقة والتسارع التضخمي، فإذا أنفقت الدولة على تمويل عجزها عبر طبع نقود لتمويل التبديل أو لتمويل اقتصاديًا دون تغطية حقيقية، فسوف يعود التضخم ليتصاعد أو يتسارع.

ويترافق ذلك مع مشكلات لوجستية ومالية، لأن استبدال النقود يتطلب توزيعًا واسعًا (بنوك، صرافات، نقاط بيع)، فالفشل اللوجستي يخلق فوضى نقدية، ونقصًا في الفئات (الصغيرة، الكبيرة)، ما يؤدي إلى شل المعاملات اليومية. ويشير إلى أن تمويل الطباعة عبر الاقتراض (داخلي، خارجي) قد يرفع الدين العام، وإذ كان عبر طبع نقدي مباشر، فإن التضخم يتفاقم. وستسهم السياسات المتضاربة وتقييد قدرة المواطن على التحويل الرسمي، باتساع سوق الصرافة السوداء، ويزداد فرق السعر بين الرسمي والفعلي.

التكلفة المالية لطباعة العملة

يوضح الدكتور حزوري أنه لا توجد أرقام رسمية منشورة حتى الآن عن عدد الأوراق التي ستطبعها سوريا، وتقديريًا تختلف تكلفة طباعة الورقة الواحدة بين بلد وآخر، ويرجع ذلك لتقنية الورق والتدابير الأمنية التي سيتم اتخاذها. وتقول تقديرات إن تكلفة الاستبدال قد تتراوح بين خمسة و125 مليون دولار أمريكي، اعتمادًا على التكنولوجيا المستخدمة، وعدد الأوراق المطلوبة وفئاتها. وهذا النطاق واسع لأن المتغير الأكبر هو: عدد الأوراق التي تحتاج إليها الحكومة، ونوعية الورق وإذا ما كان متطورًا (بوليمر) أم تقليديًا.

إضافة إلى أن تكلفة الطباعة لا تشمل نقل وتوزيع الأوراق داخل سوريا (لوجستيات وأمن)، وتعديل أجهزة الصرف الآلي، ونقاط البيع (POS)، وأنظمة المحاسبة، وتكلفة سحب الأوراق القديمة وإتلافها، وتكلفة حملات توعية الجمهور وتكلفة تحديث البرامج المحاسبية. وعند جمع هذه العناصر، قد يزيد المجموع الإجمالي للتكاليف بين 10 و50%.

تمويل طباعة العملة الجديدة

يرى الدكتور حسن حزوري أن التكلفة المباشرة لتمويل عملية طباعة عملة جديدة في سوريا ستكون إما من الاحتياطات الأجنبية لمصرف سوريا المركزي، إذا كانت خزائن الدولة تسمح بذلك، وهو خيار أقل ضررًا بالسياسة النقدية، لكنه يتطلب وجود احتياطيات كافية، أو عبر طلب المصرف المركزي قروضًا لبناء السلسلة الجديدة، ولكن الاقتراض بالعملة الأجنبية يحمل مخاطرة سعر الصرف إذا لم تحل اختلالات الاقتضاء، لكنه خيار شائع لتجنب طبع نقدي مباشر.

ومن الممكن أن يتم الدفع مقابل الطباعة عن طريق طباعة نقود جديدة أي تمويل يعادله طبع عملة جديدة، مما سيزيد من العرض النقدي، وقد يقود إلى تضخم إضافي ما لم تمتص هذا السيولة بواسطة أدوات نقدية (سحب ودائع، شهادات إيداع، أو بيع سندات). ويضيف أنه تاريخيًا في حالات مشابهة لسوريا، كانت طباعة النقود لتمويل العجز سببًا في ضغوط تضخمية. ويجب على الحكومة تمويل الطباعة عبر مصادر بالعملات الأجنبية أو اقتراض مهيكل بدلًا من طباعة نقود جديدة لتغطية التكلفة، لكن في حال استمرت ضغوط الخزينة ونقص الاحتياطيات، فإن احتمال تمويل جزئي بطباعة نقود قائم، ويحمل ذلك مخاطر تضخمية كبيرة.

تحديد سعر صرف الدولار

أوضح الدكتور مجدي الجاموس، الأستاذ الجامعي في كلية الاقتصاد بجامعة "دمشق" والخبير الاقتصادي، أن الحكومة السورية اعتمدت على سياسة السوق الحرة، لهذا السبب ستترك هامش تحديد سعر الصرف مقابل العملة الجديدة بحسب العرض والطلب، ولكن بسبب ضعف البنية التحتية وقلة الاستثمارات وضعف القطاع الصناعي والإنتاجي، سيتطلب ذلك تدخلًا من المصرف المركزي لكبح التضخم المتوقع.

كما يتطلب إصدار العملة الجديدة التي ستكون على ثلاث مراحل من المصرف المركزي، أن يهيئ نفسه بأدوات تدخلية بشكل مناسب في حال ارتفعت معدلات التضخم، لأن عدم تدخله سينعكس بشكل سلبي على أسعار السلع وسيزيد من التضخم بمعدلات مرتفعة، وبالتالي من الممكن أن يسوء الوضع الاقتصادي. ونوه الجاموس إلى أن ارتفاع معدلات التضخم يؤثر سلبًا على ذوي الدخل المحدود والمتوسط، فيجب أن يكون إدخال العملة الجديدة مترافقًا مع إخراج ما يوازيها من العملة القديمة مباشرة، منعًا لزيادة حجم السيولة في السوق من العملة السورية بسبب وجود كميات كبيرة منها.

متطلبات تسبق إصدار العملة

يرى الدكتور مجدي الجاموس أن توقيت استبدال العملة السورية مهم جدًا، فكان يجب أن يكون هناك تعافٍ في الاقتصاد الوطني بجميع القطاعات (الصناعية، الزراعية، السياحية، الإنتاجية)، إضافة إلى بيئة استثمارية تجذب الاستثمارات، ومن ثم العملة الجديدة. وتابع أنه يجب على الهيئة المركزية للرقابة المالية والهيئة العامة للرقابة والتفتيش أن تأخذ دورها بشكل كبير، وأن يتم إعلان القوائم المالية بكل شفافية ووضوح، لأنها تعد خطوات أساسية لإطلاق العملة الجديدة.

ست فئات للعملة الجديدة

أعلن عبد القادر الحصرية، حاكم مصرف سوريا المركزي، أن العملة السورية الجديدة ستصدر بست فئات، وستكون خالية من الصور والرموز، لتكون أكثر وضوحًا وسهولة في التحقق منها، ومنسجمة مع الاتجاه العالمي نحو التصميم النظيف والمجرد. وأكد في حوار مع وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، في 8 من تشرين الأول الحالي، أن العملة الجديدة ستصدر بفئات مختلفة لتلبية احتياجات التداول اليومية بكفاءة أكبر، وتتراوح هذه الفئات بين الصغيرة والمتوسطة والكبيرة لضمان سهولة التعامل النقدي في الأسواق. ولفت إلى أن البنك المركزي سيعلن عن تفاصيل كل فئة من حيث القيمة والحجم والتصميم في الوقت المناسب، بعد استكمال الإجراءات الفنية والأمنية الخاصة بالطباعة والإصدار.

وحدد حاكم مصرف سوريا المركزي إيجابيات إطلاق العملة الجديدة، وهي:

  • تعزيز الثقة بالعملة الوطنية وإعطاؤها مظهرًا حديثًا ومتطورًا.
  • تحسين كفاءة التداول النقدي وتقليل تكاليف الطباعة المستقبلية.
  • دعم النشاط الاقتصادي عبر تسهيل المعاملات التجارية والنقدية.
  • تحسين استقرار سعر صرف الليرة السورية على المدى المتوسط، من خلال رفع الثقة بالسياسة النقدية، والحد من التداول بالأوراق التالفة أو المزورة.

ويعتبر الإصدار إجراء فنيًا ضمن السياسة النقدية، ولا يهدف إلى تغيير الكتلة النقدية أو خلق تضخم جديد، وفق مصرف سوريا المركزي. والهدف هو حماية القوة الشرائية لليرة وتمكين القطاع المالي من دعم النمو والاستقرار.

مشاركة المقال: