الأحد, 12 أكتوبر 2025 09:55 PM

تحولات العلاقات التركية الإسرائيلية وتأثيرها على المرحلة الانتقالية في سوريا

تحولات العلاقات التركية الإسرائيلية وتأثيرها على المرحلة الانتقالية في سوريا

منذ 7 تشرين الأول 2023، تاريخ عملية طوفان الأقصى، وفي ظل سياسة الإبادة الجماعية التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي ضد سكان قطاع غزة، وسعيه لتوسيع هيمنته في المنطقة، تصاعد التوتر السياسي والاقتصادي بين إسرائيل وتركيا. ازداد هذا التوتر بشكل خاص بعد الإطاحة بنظام الأسد ووصول "هيئة تحرير الشام" بقيادة أحمد الشرع إلى السلطة.

مع كل بوادر تعاون عسكري بين تركيا وسوريا، والذي تُوج بتوقيع اتفاقية عسكرية مشتركة بين البلدين في 13 آب الماضي، ازدادت التصريحات الإسرائيلية التحذيرية. وبلغت ذروة هذه التحذيرات في الهجوم الإسرائيلي على ثلاث مطارات سورية في 2 نيسان الماضي: مطار "4T" العسكري (أكبر المطارات العسكرية)، ومطار "القصير" العسكري (مطار "الضبعة" العسكري)، وقاعدة "الشعيرات" الجوية. جاء ذلك إثر معلومات استخباراتية عن دخول فرق عسكرية تركية وشاحنات إلى قواعد عسكرية، بما في ذلك مطار "4T"، وسط حديث عن اهتمام تركيا بتركيب أنظمة دفاع جوي واستخدامه كقاعدة للطائرات دون طيار.

على الصعيد الإسرائيلي، ذكر تقرير لجنة "فحص ميزانية الأمن وبناء القوة" (لجنة "ناغل")، وهي لجنة مكلفة بصياغة توصيات بشأن احتياجات الاحتلال الإسرائيلي في بناء قواته والميزانية الأمنية للعقد المقبل، أن إسرائيل تستعد لاحتمال تحول تركيا إلى تهديد استراتيجي. وحذر التقرير من أن المشكلة ستتفاقم "إذا أصبحت القوات السورية فعليًا (وكيلًا تركيًا)، كجزء من طموح تركيا لاستعادة نفوذ الحقبة العثمانية. إن وجود القوات التركية أو وكلائها في سوريا قد يزيد من خطر حدوث مواجهة مباشرة بين إسرائيل وتركيا". وحدد جيش الاحتلال أن تقسيم سوريا إلى كانتونات ذات مستويات متفاوتة من الحكم الذاتي هو النتيجة الأفضل له، وهو ما تعارضه أنقرة.

في المقابل، تصاعد القلق التركي بعد الهجمات المتبادلة بين إسرائيل وإيران، والتي بدأتها إسرائيل في 13 تموز الماضي. وذكرت أكاديمية الاستخبارات التركية (MIA) في تقرير بعنوان: "حرب الأيام الـ12: الدروس المستخلصة لتركيا" (1 آب)، أن الحرب قدمت دروسًا في القدرة على تنفيذ عمليات متعددة الأبعاد، بما في ذلك استخدام البعدين السيبراني والكهرومغناطيسي اللذين يحددان نتائج الصراعات. وأشار التقرير إلى أن السيطرة الإسرائيلية على الطيف الكهرومغناطيسي شلت الدفاعات الإيرانية وكان لها أثر نفسي في الحرب، وأن اعتماد طهران على بنية دفاعية مركزية غير مرنة أدى إلى شلل منهجي أمام الهجمات المركبة، وأن فقدان إيران لحلفائها التقليديين أضعف موقفها. كما أشار التقرير إلى أن حيادية الدول تجعلها هدفًا سهلًا وبلا سند، وأن الردع العسكري لا يكفي إذا لم يصاحبه ردع سياسي واقتصادي وتكنولوجي، وأوصى بضرورة بناء أنظمة إنذار مبكر وإنشاء ملاجئ مؤهلة في المدن الكبرى.

وفي إطار سعي إسرائيل لفرض هيمنتها على المنطقة وتقويض قدرة منافسيها الإقليميين، بما في ذلك محاصرة تركيا، عززت إسرائيل علاقتها الاستراتيجية مع قبرص، وزودتها بنظام دفاع جوي إسرائيلي "باراك إم إكس" لتوفير "مظلة رقمية" تغطي جزءًا واسعًا من المجال الجوي في جنوبي تركيا، وتعترض الطائرات المسيّرة والقتالية والصواريخ على مدى بعيد، بالإضافة إلى منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية التي سبق أن زودتهم بها.

لاحتواء التوتر بين البلدين و"منع الاحتكاك" بينهما على الأراضي السورية، توصلتا في 9 نيسان الماضي في أذربيجان- باكو إلى تفاهمات بشأن أنشطتهما العسكرية داخلها.

سوريًا، تتعدد التحديات الداخلية والخارجية، من انعدام الأمن والاستقرار، وتجذر التصدع المجتمعي بعد مجازر الساحل والعنف الدامي في السويداء، وجرائم الاحتلال الإسرائيلي المتزايدة، من احتلال المزيد من الأراضي السورية، وتدمير حوالي 80% من القدرات العسكرية السورية وانتهاك اتفاقية فض الاشتباك الموقعة في سنة 1974، وإنشاء العديد من النقاط العسكرية، بما في ذلك في حوض اليرموك المائي على الحدود السورية- الأردنية، والضغط لفرض منطقة الجنوب منزوعة من السلاح الثقيل، والمطالبة بفتح ممر من الجولان المحتل إلى السويداء، وإنشاء ممر "داود" لربط "تل أبيب" بأماكن وجود قوات "قسد" في الشمال السوري، مرورًا بالمحافظات السورية الجنوبية، وتحويل الأجواء السورية إلى مساحة مفتوحة لتشن إسرائيل هجمات على دول أخرى.

أمام كل تلك التحديات، تسير المرحلة الانتقالية في غياب عقد اجتماعي، واحتكار للقرار الوطني وترسيخ ثقافة التعيين، وتقريب الثقات وتوزيع المناصب والمزايا عليهم، وتفسير التشاركية والتعددية بتعيينات رمزية، واختيار أعضاء وعضوات لمجلس الشعب دون إقرار لقانون أحزاب، وبعيدًا عن تنافس برامجها، وتجاهل المطالبات الحثيثة التي تنادي بانعقاد مؤتمر وطني جامع، وقوننة تغييب مساءلة السلطة التشريعية للرئيس الانتقالي، وإعطائه أوسع الصلاحيات.

كما تعالج السلطة الانتقالية كل التحديات الجسيمة المذكورة أعلاه، بما في ذلك مشاريع الإكراه الصهيونية والتنافس والاشتباك التركي- الإسرائيلي بعقلية تاجر المفرق، كل تحدٍ على حدة، بمعزل عن ترابط القضايا وتشابكها وأهمية التوافق عليها مع القوى السياسية والمدنية والمجتمعية تحت مشروع وطني جامع، وهي أزمة بنيوية تسلطية عنونت المرحلة الانتقالية.

مشاركة المقال: