الإثنين, 13 أكتوبر 2025 09:34 PM

غزة: من الصمود الأسطوري إلى نصر تاريخي رغم التحديات

غزة: من الصمود الأسطوري إلى نصر تاريخي رغم التحديات

مالك صقور: "ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلاّ بالقوة"، مقولة جمال عبد الناصر الخالدة. وأضاف: "إذا فُرض علينا القتال فلن يُفرض علينا الاستسلام". كيف يقيّم المراقبون اليوم وقف القتال في غزة؟

إذا ما قورنت نتائج هذه الملحمة الفلسطينية، التي استمرت سنتين، بالحروب السابقة، فإن النصر حليف فدائيي غزة، الذين يستحقون أكاليل الغار. على مدار سنتين كاملتين، خاض الفدائيون الأشاوس حرباً غير مسبوقة في تاريخ الحروب. فالحرب بين الفلسطينيين وجيش الاحتلال الصهيوني هي حرب غير متكافئة، لا من حيث العدة والعتاد، ولا من حيث العدد والإمداد. جيش الاحتلال يُعد من أقوى جيوش العالم، مزود بأحدث التقنيات العسكرية، ومحصن بآليات لا تخترق وطائرات تسبق الصوت. ومع ذلك، كانت المواجهات من المسافة صفر في صالح الثوار.

من جهة أخرى، إذا قورنت هذه الحرب بحرب 1948 وحرب حزيران 1967، حيث هزمت إسرائيل ثلاثة جيوش في ستة أيام، واحتلت سيناء والجولان والضفة الغربية والقدس، وتوالت هزائم العرب، وانتصرت إسرائيل بقوة السلاح، وأطلقوا على جيشها لقب "الجيش الذي لا يُقهر"، فإن هذا أيضاً يصب في صالح فدائيي غزة.

أما إذا قورنت هذه الحرب بالإمداد، فإن الولايات المتحدة ومن يدور في فلكها كانوا يمدون جيش الاحتلال بكل ما يلزمه من عدة وعتاد ونقص في الذخائر والآليات، بينما كتائب القسام كانت تستخدم بقايا صواريخ الاحتلال وتعيد صناعتها. أمر آخر جدير بالذكر، هو أن وجبات الطعام كانت تصل لجيش الاحتلال ساخنة، بينما الفدائي في غزة يعيش على الكفاف.

هنا يجب التوقف قليلاً، كي يرى العالم معجزة صمود غزة. فإذا كان الحصار قبل سبعة عشر عاماً، وأُحكم الحصار بعد طوفان الأقصى، فإن المعجزة كانت في الصبر والصمود والبطولة منقطعة النظير. والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف كان يعيش هؤلاء الفدائيون تحت الأرض في أنفاق، ومعهم الأسرى الإسرائيليون، طوال سنتين؟

أما الأمر المهم الآخر فهو خسائر إسرائيل: فقد خسرت إسرائيل في هذه الحرب من سبعة آلاف جندي حتى عشرة آلاف، قتلوا في غزة. أما جرحى الحرب والمعاقون فقد بلغ عددهم حوالي ثلاثين ألفاً. هذا بالإضافة إلى الذين دخلوا المصحات النفسية. خسرت إسرائيل هيبتها الدولية وسمعتها. وتأكد العالم من أن إسرائيل ليست واحة للديمقراطية والحرية، وأصبح المجتمع الدولي يعرف أن إسرائيل عنصرية، وإنها تمارس الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني. ولهذا قامت المظاهرات في العواصم الأوروبية تضامناً مع الشعب الفلسطيني. انهارت معنويات جيش الاحتلال، وامتنع الكثيرون عن الالتحاق به، رعباً من الموت في غزة. تمت فضيحة إسرائيل، بانسحاب وفود العالم من اجتماع جمعية الأمم المتحدة حين ألقى مجرم الحرب حاكم إسرائيل كلمته. لم تحقق إسرائيل هدفها من حربها: لم تستطع تحرير أسراها، ولم تستطع إخضاع غزة لهيمنتها، ولم تستطع نزع سلاح المقاومة فيها.

ولو كانت هذه الحرب لصالح إسرائيل، لما تعب الرئيس الأميركي لإحلال السلام في فلسطين. صحيح أن غزة دُمرت، وصحيح أن عدد الشهداء بلغ نصف مليون، لكن من حيث النسبة والتناسب مع الخسائر الإسرائيلية، تُعتبر خسائر إسرائيل أكبر. لقد أعاد طوفان الأقصى القضية الفلسطينية إلى الواجهة السياسية العالمية، بعد أن صار الترويج والهرولة إلى التطبيع والاستسلام. ومهما يكن من تطور الأمور والضغط على نقاط الضعف في الجانب الفلسطيني، وبكل المعايير والمقاييس، فإن غزة انتصرت، انتصرت، ومجرم الحرب حاكم إسرائيل مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية. ولقد أثبتت الأيام صحة مقولة جمال عبد الناصر: "ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلاّ بالقوة". (أخبار سوريا الوطن-2)

مشاركة المقال: