مع اقتراب فصل الشتاء وتزايد الأعباء المعيشية، يتطلع العديد من الشباب في تل أبيض ورأس العين إلى الهجرة غير الشرعية نحو لبنان أو تركيا، وذلك هربًا من صعوبة الأوضاع المعيشية وتراكم الديون بعد مواسم زراعية غير موفقة وتوقف الأعمال. هذه الرحلات، على الرغم من المخاطر التي تنطوي عليها لحياتهم ومستقبل عائلاتهم، أصبحت الخيار الوحيد المتاح أمام الشباب في ظل غياب فرص العمل والدعم المحلي.
لم يعد هناك ما يشجع الشباب على البقاء في مدينتي تل أبيض ورأس العين، بعد أن أثقلتهم الديون وأرهقهم غلاء المعيشة وتراجعت فرص العمل بشكل كبير.
لا خيار سوى الهجرة
معتصم عز الدين (43 عامًا) من مدينة تل أبيض، تنقل بين عدة مهن، بما في ذلك النجارة والحدادة والزراعة، على أمل تجنب الهجرة إلى مكان آخر، كونه يعيل أربعة أطفال، أحدهم من ذوي الإعاقة. لم يحالف مصطفى الحظ، فتراكمت عليه الديون لتصل إلى أكثر من 1450 دولارًا أمريكيًا، وهو مبلغ يتجاوز قدرته على السداد في ظل الظروف الراهنة. وأشار إلى أن هذه الظروف دفعته إلى البحث عن طريق تهريب من تل أبيض إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية، ومن ثم العبور إلى لبنان بطرق غير شرعية، بحثًا عن عمل يعينه ويساعده على سداد ديونه.
الأمر نفسه ينطبق على مصطفى العامر (36 عامًا)، من مدينة رأس العين، الذي لم يعد قادرًا على الاستمرار في وظيفته كعامل نظافة، خاصة مع تزايد الاحتياجات في فصل الشتاء من تدفئة وملابس. وأوضح أنه اتخذ قرار الاستقالة بعد أن وعده أخوه بتحمل تكاليف وصوله إلى تركيا والعمل في المراعي بعيدًا عن أعين الشرطة، لتجنب ترحيله. وأضاف أن راتبه الحالي لا يتجاوز 4000 ليرة تركية (أقل من 100 دولار أمريكي)، وهو بالكاد يكفيه أسبوعًا واحدًا من المصاريف. وذكر أنه في حال استقر في تركيا، سيجلب عائلته ليعيشوا معًا بعيدًا عن صعوبات الحياة في رأس العين، على أمل توفير حياة أفضل لأولاده.
وفقًا لرصد مراسل عنب بلدي، تتراوح تكلفة التهريب من رأس العين إلى تركيا بين 2000 و5000 دولار أمريكي، اعتمادًا على الطرق التي يسلكها المهربون ومدى خطورة المناطق التي يعبرونها. أما التهريب إلى لبنان فتكلفته أقل، نظرًا لعدم إحكام السيطرة على الحدود السورية-اللبنانية، حيث تصل تكلفة وصول الشخص من رأس العين وتل أبيض إلى بيروت حوالي 900 دولار. وتعتبر هذه المبالغ مرتفعة مقارنة بالوضع المعيشي والاقتصادي، حيث يتقاضى عمال المياومة في رأس العين وتل أبيض ما بين 80 و100 ألف ليرة سورية (الدولار يعادل 11530 ليرة سورية)، ويقطن في المدينتين 253,000 شخص.
لبنان وجهة جديدة لعمال رأس العين وتل أبيض
980 حالة هجرة خلال شهر
أفادت حلا تركمان، الناشطة في تجمع الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني في رأس العين وتل أبيض، لعنب بلدي، بأن الهجرة إلى لبنان وتركيا تزداد مع بداية كل فصل شتاء، معربة عن قلقها إزاء تصاعد ظاهرة تهريب الشباب بسبب الضغوط المعيشية. وأوضحت أن فريقهم الميداني وثق خلال شهر أيلول الماضي 980 حالة هجرة لشباب من مدينتي تل أبيض ورأس العين، معظمهم تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عامًا، بحثًا عن فرص عمل تغطي مصاريفهم اليومية وتساعدهم على سداد الديون المتراكمة. وأضافت أن الأسباب الرئيسية للهجرة تتمثل في الفقر وقلة فرص العمل وانخفاض الدخل اليومي، بالإضافة إلى غياب الدعم الكافي للمزارعين والعمال، مما يدفع الشباب للمخاطرة عبر الطرق غير الشرعية. وأشارت إلى أن الحلول تكمن في تحسين الدخل وتوفير فرص عمل مستدامة، مع دعم المشاريع الصغيرة وبرامج الطوارئ للأسر الأكثر ضعفًا، لتقليل الاعتماد على الهجرة غير القانونية وضمان حياة كريمة للشباب وأسرهم.
بحاجة لدعم الحكومة والمنظمات
من جانبه، صرح زياد ملكي، المتحدث باسم المجلس المحلي لمدينة رأس العين، لعنب بلدي، بأن المجلس يعمل منذ عام 2019 على توفير فرص عمل ضمن الإمكانيات المتاحة. وأوضح أن المجلس وفر حتى الآن حوالي 1050 وظيفة في قطاع الخدمات والإدارة، بالإضافة إلى 1420 وظيفة في قطاع التعليم، بينما تجاوز عدد العاملين في الشرطة المدنية 1150 شخصًا. وأضاف أن المدينة بحاجة إلى دعم حكومي ومنظمات دولية بشكل أوسع لتخفيف موجة الهجرة من المنطقة، مشيرًا إلى أن الحصار المفروض على المنطقة ساهم في تراجع النشاط الاقتصادي وفقدان العديد من فرص العمل. وأكد ملكي أن استمرار الأوضاع الحالية دون دعم فعال سيؤدي إلى زيادة الهجرة وفقدان الكفاءات المحلية، داعيًا إلى تنفيذ مشاريع تنموية تخلق فرص عمل حقيقية وتنعش الاقتصاد المحلي.
تواصلت عنب بلدي مع المكتب الإعلامي في المجلس المحلي بمدينة تل أبيض، الذي أوضح أن إمكانيات المجلس محدودة بسبب الحصار المفروض على المنطقة وانعدام الدعم المنظماتي، مما تسبب في ارتفاع معدلات الهجرة نتيجة ضعف فرص العمل وقلة المشاريع التنموية.
تقع رأس العين وتل أبيض على الحدود التركية، وتخضعان لسيطرة الحكومة السورية، بينما تحيط بهما جبهات القتال مع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، ويعتبر منفذهما الوحيد نحو الخارج هو الحدود التركية.
رأس العين.. مدينة بلا فرص والزراعة مهنة يتيمة