كشف حاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر الحصرية، عن حزمة إصلاحات وتحديثات هامة ستشمل القطاع المصرفي وسوق الذهب والعملات في سوريا، وذلك خلال مقابلة خاصة مع CNN الاقتصادية.
أوضح الحصرية أن رؤية المصرف المركزي فيما يتعلق بالليرة السورية وسعر الصرف تتماشى مع المعايير العالمية الحديثة، من خلال جمع معلومات شاملة عن السوق وحركته بهدف الحد من المضاربة. وأكد أن السياسات النقدية للمصرف تستند إلى رؤية وتوجه اقتصادي واضح.
وأشار إلى أن المصرف سيراقب الحركة الطبيعية للسوق وتحويلات القطاع المصرفي، وسيستخدم الرقابة الفنية لرصد حركة السيولة بالقطع الأجنبي والعرض والطلب، مما يساعد في تحديد وجود المضاربات.
السياسة تدفع عجلة الاقتصاد
قال حاكم المصرف: "اليوم لدينا جو سياسي مريح وسياسة خارجية واضحة تحمل كل يوم تطورًا إيجابيًا، وهذا ما يدعم عملنا، وخصوصًا بالنسبة لرفع العقوبات التي تدعم الاستثمارات الخارجية، فمنظومة القيم التي تحكم النظام السياسي والاقتصادي اليوم في سوريا تختلف نهائيًا عن السابق. اليوم لدينا اقتصاد حر، الحقوق الفردية فيه مصانة، وتدخلاتنا كبنك مركزي لن تكون كما في السابق، بل ستكون ضمن قيود وإطار القانون".
وأضاف: "نحن في بلد تحررت سياسيًا، وما حصل في سوريا زلزال سياسي بالمعنى الإيجابي. فاليوم لدينا تغيير، وحكومة جديدة، وقيادة جديدة للمصرف المركزي. غايتنا المحافظة على القيمة الشرائية للنقد السوري. لكن سابقًا كانت وظيفة البنك المركزي تمويل العجز، وتمويل قطاع الفساد، وتمويل الحرب على الشعب السوري".
حجم الاحتياطي
وحول مخزون الذهب السوري، أكد الحصرية أن البنك المركزي لا يزال محافظًا عليه، وأن كمية الذهب اليوم كما هي، دون أن يحدد رقمًا معينًا، مؤكدًا أن البنك ليس معرضًا لبيع أي شيء من الذهب، حيث توجد تدفقات نقدية تصل لسوريا، كما أننا لم نر بعد الأثر الكامل لرفع العقوبات، والأمور تتطور نحو الأفضل. واعتبر أن كمية الذهب الاحتياطي ليست بالأمر الحاسم. فلو قدرنا قيمتها، مثلا، بملياري أو ثلاثة مليارات دولار، فليس ذلك رقمًا كبيرًا، وعلى سبيل المثال، فإن الاقتصاد السوري اليوم استورد سيارات بأكثر من خمس مليارات دولار منذ سقوط النظام.
البنوك الاستثمارية
لفت الحصرية إلى تلقي الطلبات والعروض من البنوك الاستثمارية وعدة جهات مصرفية، بشكل مستمر، "لأن الاقتصاد السوري هو اليوم سوق واعدة جدًا. فنحن نتحدث عن مشاريع إعادة إعمار، ومشاريع في مجال الاتصالات، وغيرها من المشاريع الضخمة، وكلها تحتاج إلى بنوك استثمارية. وعائد تلك البنوك لا يعتمد فقط على الاقتصاد السوري المحلي، بل هو مرتبط بالإقليم بشكل عام، والاقتصاد في المنطقة العربية والخليج اليوم متقدم جدًا. وستكون تلك الدول "أوروبا القادمة" بالنسبة للاستثمار والفرص العظيمة، حيث نرى المملكة العربية السعودية رائدة بهذا المجال، وكذلك الأمر بالنسبة للإمارات، ونحن في سوريا لا يقل طموحنا عن طموح المنطقة".
طموح لتطوير صناعة الذهب
أما بالنسبة لسوق الذهب، فقد قال الحصرية آنهم اطلعوا على القانون رقم 34 الخاص بتنظيمه والصادر عام 2023، مضيفا أن "هذا القانون يحمل فكراً اشتراكيًا ومتخلفًا وبوليسيًا"، و"طموحنا أن نحرر سوق الذهب السورية عبر تحرير الاستيراد والتصدير".
وذكر أن "سوريا معروفة بحرفييها في مجال الذهب ولها تاريخ بذلك. لا تزال رؤيتنا في إطار التشكيل، حيث نتواصل مع جمعية الصاغة وغرفة الصناعة ونتشاور معهم. الكثير من السوريين موجودون في مناطق الخليج ودول العالم الأخرى حيث يعملون في الصياغة، ولديهم نشاط مهم في صياغة الذهب وتجارته، وأيضًا في مصافي الذهب، ودورنا كمصرف مركزي هو تنظيم السوق وتحريره".
وأكد أن الحكومة ستقوم بترخيص مصافي الذهب، وتضع معايير لحماية المستهلك تتطابق مع المعايير العالمية. حيث يوجد سوريون يملكون مصافي ذهب في الخليج وقد أبدوا رغبتهم في العمل في سوريا. وأوضح أن سوق الذهب سيشهد انتقالًا إلى تنظيم جديد، وأن الهدف من هذا التحول ليس فقط تنظيم السوق، بل تمكين القطاع من خلق ما بين 30 و40 ألف فرصة عمل عبر استقطاب الحرفيين السوريين في الخارج وتوسيع حلقات الإنتاج والتصدير.
سعر الصرف
وحول سعر الصرف، أكد حاكم المصرف أن ما يحدد قيمة العملة هو الإنتاج المحلي، والفرق بين الاستيراد والتصدير والتنافسية، موضحا أن رفع سعر الصرف لا يكون بفرض قيمة ثابتة بل يكون بزيادة التنافسية.
وفي سياق حديثه عن العملة الوطنية، أعلن الحصرية، في منشور على فيس بوك، أن المصرف المركزي قرر تضمين ميزة الطباعة النافرة في الأوراق النقدية الجديدة، لتتيح للأشخاص المكفوفين وضعاف البصر التمييز بسهولة بين الفئات النقدية والتعامل النقدي باستقلالية. وأضاف أن القرار جاء بعد مطالبة من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، التي نقلت طلبات الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية لإدراج لغة برايل على العملة، مؤكدًا أن التصميم الجديد يلبي هذه الحاجة الحقيقية.
وأشار الحصرية إلى أن العملة الجديدة ستصدر بست فئات، وستكون خالية من الصور والرموز التقليدية، لتتماشى مع الاتجاه العالمي نحو التصميم النظيف والمجرد. ووصف تغيير العملة بأنه "محطة مفصلية في تاريخ البلاد"، مشيرًا إلى أنه يمثل "التحرر المالي بعد التحرر السياسي وسقوط النظام البائد"، وأن المصرف يعمل وفق رؤى عالمية للاندماج في النظام المالي الدولي، وهو ما اعتبره نقلة نوعية في تاريخ العمل النقدي والمصرفي السوري.
كما تناول الحصرية قرار الكونغرس الأميركي بشأن إلغاء قانون "قيصر"، واصفًا إياه بأنه خطوة بالغة الأهمية نحو إنهاء المعاناة التي سببتها العقوبات، ومشيرًا إلى أنه يمثل "فجرًا جديدًا في مسار الاقتصاد السوري".
وحول التطورات المستقبلية في البنية المالية، أعلن الحصرية عن تحضيرات لفتح مسار تعاون مع شركة Visa بعد تجربة التعاون مع ماستر كارد، في إطار إعادة هيكلة النظام المالي وتمكين الوصول إلى قنوات دفع دولية بشكل منظم. كما كشف عن إطلاق "Sandbox تنظيمي"، وهو بيئة تجريبية تسمح باختبار منتجات مالية وتقنية جديدة وفق معايير تنظيمية محدودة، كجزء من الإصلاحات الجارية.
تأتي هذه الإجراءات ضمن جهود الحكومة الرامية إلى تلبية احتياجات المواطنين والمؤسسات، ومعالجة أي مشكلات قد تواجههم بشكل فوري، بما يعكس التزام المصرف المركزي بتحديث القطاع المالي والمصرفي ودمجه في المنظومة الاقتصادية العالمية.