السبت, 18 أكتوبر 2025 02:34 PM

غزة تستقبل العائدين: حياة وسط الركام وأمل في البناء

غزة تستقبل العائدين: حياة وسط الركام وأمل في البناء

على طريق شارع الرشيد المؤدي إلى مدينة غزة، يتزاحم الآلاف من العائدين سيراً على الأقدام. عائلات بأكملها لم يمضِ على نزوحها سوى أيام أو أسابيع قليلة، حتى قررت العودة إلى المدينة. يقول رجل أربعيني، وهو على متن شاحنة تنقل أثاث منزله: «لا نستطيع الابتعاد. لا يوجد أفضل من المنزل حتى لو كان مدمّراً».

بالنسبة إلى محمود التركماني، العودة إلى المدينة تعني نهاية النزوح، الذي يعتبره المرحلة الأصعب في الحرب. ويقول محمود لـ»الأخبار»: «رجعت سيراً لمسافة 20 كيلومتراً من دير البلح إلى غزة. الطريق صعب، لكن البقاء بعيداً عن البيت، أو ركام البيت، هو موت بطيء». ويضيف: «ربما كانت دير البلح أفضل للسكن، لأنها لم تُدمّر، لكنني لا أرتاح إلا في غزة. نسير وسط الخراب ونرى البيوت والشوارع مُدمّرة، وبإرادتنا نعود ونشتري الحياة القاسية، حيث نعيش وسط الركام ونجلب المياه من مسافات بعيدة، حيث تنعدم البنية التحتية. كل شيء صعب في المدينة، لكن القلب هنا. الراحة هنا».

أثناء السير في شارع الرشيد إلى شارع الجلاء، كانت الحفر التي خلّفتها الجرافات الإسرائيلية تملأ الشوارع. وشارع الرشيد، هو واجهة قطاع غزة الحضارية والسياحية، والذي يملك كل غزيٍّ ذكرى شخصية معه. لكن كل ذلك اختفى، ولم يبقَ إلا الخيام والخراب.

على جانبي الطريق، تصطفّ بعض المباني التي نجت من التدمير الكلي، والتي عاد إليها سكانها وبدأوا في إصلاحها. أما الطريق إلى ساحة الجندي المجهول فيقطعه ركام برج «الغفري» ذي الـ 18 طابقاً، وهو واحد من عشرات الأبراج التي طاولها القصف الجوي، وأدى إلى تهجير آلاف العائلات.

يقول جمعة الجرجاوي، من سكان عمارة الرؤيا، إن «قصف برج واحد يعادل تدمير 100 منزل أفقي في ضربة واحدة. في المبنى الذي نسكنه، كانت هناك 80 شقة سكنية، تؤوي أكثر من 150 عائلة». وفي الطريق إلى شارع الجلاء، تظهر بقايا المؤسسات الحكومية، وأحبال غسيل، ونور خافت من مقر المجلس التشريعي المُدمّر جزئياً، وإلى جانبه مسرح رشاد الشوا الثقافي.

ويؤكد أحمد الصفدي، وهو يشير إلى أن شارع حي الرمال نجا من الخراب الكلي، أن «الناس أسرعوا بالعودة لكي يحجزوا مكاناً تحت سقف من الأَسمنت. الشتاء قادم والمنازل المتبقّية قليلة. والعيش في الخيمة قاس جداً»، مضيفاً: «الحمد لله لم تصل الدبابات إلى هنا، وإلّا لما بقي مبنى واحد واقفاً نفرح به. لكنني خائف من رؤية شارع الجلاء، على الرغم من أنني أفترض الأسوأ سلفاً، وأنا متأكد من أنه لم يبق شارع ولا بيوت، غير أن الصدمة التي تثيرها الرؤية للمرة الأولى تكون دائمة كبيرة».

ومن مفترق الغفري في شارع الجلاء، تظهر المباني المُدمّرة أكواماً على جانبَي الطريق، ويبدو الأهالي العائدون كالأشباح في وسط الغبار. هنا، آلاف المنازل دُمّرت على نحو كلي، فيما تلك التي صمدت جرّدتها موجات الانفجارات العنيفة من جميع جدرانها.

ومن يعد إلى بيته ويجده على هذه الشاكلة، يتلقَّ التهاني من الجيران. يقول رامي لبدة، لـ»الأخبار»، إن «الناس حين يريدون أن يطمئنوا على بيوتهم، يسألون سؤالاً واحداً: هل البيت واقف؟ فإذا كان البيت واقفاً على الأعمدة، حتى لو كانت كل جدرانه مُدمّرة، فهذا يستحق التهنئة، لأن صاحب ذلك البيت سينجو من العيش في خيمة».

ورشة كبيرة انطلقت سريعاً في الأحياء المُهدّمة، فيما المئات من العائلات بدأت مهمة تنظيف المنازل من الركام. ويقول أبو حمزة رضوان: «باق من المنزل غرفتان فيهما بقية سقف. ومن الفجر وحتى الغروب، نزيل أنا وأولادي الركام حتى نهيّئ مكاناً للحياة. نحن لدينا زاوية في البيت. ولذا لا نريد مزاحمة الناس في مراكز الإيواء». وإلى جوار أبي حمزة، التقت «الأخبار» الشيخ طلال الغفري، الذي بدا حائراً، وهو يقف على ركام منزله. يقول الغفري: «لا شيء يمكن أن يقال. عجنوا البيوت بعضها ببعض، ولا نعرف منزلنا من منزل جارنا. هذا المنزل كان يؤوي 15 عائلة. أولادي كلهم وإخواني كلهم بلا بيوت. محالّنا وأرزاقنا كلها دُمّرت. عدنا إلى الصفر. هذا استثمار 50 عاماً». قال قوله هذا، وترك للدموع أن تكمل الحكاية.

مشاركة المقال: