أكد الدكتور نصر الدين العبيد، المدير العام للمركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة «أكساد»، على أهمية تطوير منهج إدارة الأصول المائية ليشمل دورة حياة الأصل بأكملها، مع الأخذ في الاعتبار التغيرات المناخية والضغوط العمرانية المتزايدة والطلب المتزايد على المياه. جاء ذلك خلال مشاركته في جلسة «إدارة أصول البنية التحتية من أجل الاستدامة» ضمن فعاليات أسبوع القاهرة للمياه، بحضور وزير الزراعة الدكتور أمجد بدر، والدكتور سيد خليفة نقيب الزراعيين، والدكتور محمد أبو سارية سفير سوريا بالقاهرة.
وأوضح «العبيد» أن «أكساد»، كمنظمة عربية فنية تابعة لجامعة الدول العربية، تعمل في المناطق الجافة وشبه الجافة على مستوى الوطن العربي وخارجه، ولديها خبراء يعملون في أفريقيا، مشيراً إلى أن المنظمة تأسست عام 1968، عندما كانت نسبة المناطق العربية الجافة وشبه الجافة لا تتجاوز 50%، واستشعر القادة العرب مبكرًا خطورة تغيّر المناخ وشحّ المياه.
وأشار إلى جهود «أكساد» في النهوض بالقطاع الزراعي بشقّيه النباتي والحيواني والتكيّف مع المتغيرات المناخية بالتعاون مع مراكز البحوث في سوريا وسائر الدول العربية، والهيئات والمنظمات المعنية بأهداف التنمية المستدامة 2030، مؤكدًا على أهمية الهدف السابع عشر الذي يجمع سائر الأهداف، بما في ذلك الهدف السادس الخاص بالمياه.
كما أوضح أن الضغط الواقع على محطات الرفع والمعالجة وشبكات الري والأصول المائية هو نتاج تغيّر المناخ والتوسّع العمراني وزيادة الطلب وتقادم الأصول، مشيراً إلى تنفيذ مشاريع لتخفيف الضغط على هذه الأصول، مثل مشروعات حصاد ونشر المياه في المنطقة العربية.
وأضاف أن جامعة الدول العربية كلفت «أكساد» بوضع استراتيجية للأمن الغذائي، وتم اعتماد استراتيجية الأمن المائي وبرنامج تنفيذها في قمم عربية لاحقة، مؤكدًا أن مشاريع المركز تلعب دورًا محوريًا في تخفيف الضغط على البنية التحتية المائية واستدامتها.
وانتقد «العبيد» التوجّه نحو السدود العملاقة لما تسببه من أضرار مع الجفاف وتراجع الأمطار وازدياد التبخّر، معلنًا تأييده لبدائل السدود المائية والبحيرات الجبلية الأنسب لظروف المناطق الجافة، مشيراً إلى تنفيذ عشرات السدود في لبنان وسوريا ومشروعات للبحيرات الجبلية.
واستعرض تجربة مشروع التنمية في مطروح، بالتعاون مع وزارة الزراعة ومركز بحوث الصحراء وبإشراف نقيب الزراعيين الدكتور سيد خليفة، حيث تم إنجاز أكثر من ألف ومئتي بئر تجميعي للمياه بسعة 150 متر مكعب من المياه يوميا مستخدمين تقنيات الاستشعار عن بُعد، ما أتاح التوسّع في الزراعات التكاملية ورفع الإنتاجية.
كما أشار إلى تنفيذ مشروع «سيل» بالتعاون مع وزارة الزراعة ومركز بحوث الصحراء، حيث تم تثبيت التربة ميكانيكيًا ثم حيويًا، وتطوير سلاسل قيمة للتمور والزيتون ومعاصرته، ليصبح المشروع نموذجًا ناجحًا.
وأوضح أنه في بعض المناطق الساحلية السورية، وبالاعتماد على البيوت البلاستيكية، ارتفعت الإنتاجية بنسبة 400%، كما أمكن تجميع مياه أمطار بحدود 120 ملم سنويًا في بحيرات جبلية قليلة الكلفة وقليلة الفاقد بالتبخّر، مشيراً إلى تنفيذ مشروع ضخم للخريطة التفاعلية واستخدامات الأراضي بالتعاون مع أكثر من 100 خبير سوداني، شمل مسح الغطاء النباتي والثروة الحيوانية وتصنيف التربة في السودان.
وكشف عن طرح فكرة تقاسم مياه الفيضانات وحصادها بين الدول، وعلى صعيد التكيّف الوراثي، أشار إلى تطوير أصناف من القمح والشعير المتحمّلة للإجهادات المناخية، حققت إنتاجية بلغت 10 أطنان في مواقع بسوريا، و7–8 أطنان في السعودية، وأكثر من 5 أطنان في بيئات شديدة الجفاف.
وعرض تجربة «مشروع الجبل» في سوريا وما حقّقته من استعادة الغطاء النباتي والتنوّع الحيوي وتقليل الأيام الغبارية والرملية، كما تناول إدخال الصبّار في المغرب العربي ومصر والأردن كأداة لتثبيت التربة وتوفير أعلاف جافة للحيوانات.
وشدّد على ضرورة رفع كفاءة الري قبل التوسّع في تحلية مياه البحر الزراعية مرتفعة الكلفة، لافتًا إلى أن المنطقة العربية تهدر «أكثر من مئة مليار متر مكعب» وأن كفاءة الري لا تزال بين 20% و40% في عديد المناطق.
وفي المقابل، أثنى على تقدّم مصر في المياه غير التقليدية وإعادة استخدام الصرف الزراعي، وتوسّع شبكات الإمداد ومعالجة المياه العادمة لاستخدامها اقتصاديًا في الأشجار متعددة الأغراض والنباتات الطبية والعطرية.
واختتم بالإشارة إلى برامج النمذجة الرياضية و«السحب الآمن» للمياه الجوفية باستخدام الذكاء الاصطناعي والاستشعار عن بُعد، لضمان الاستفادة المثلى من كل قطرة مياه وحماية حقوق الأجيال القادمة، محذّرًا من سباق حفر الآبار العميقة بوصفه استنزافًا لمورد غير متجدد.