الأحد, 19 أكتوبر 2025 12:04 AM

زيارة الرئيس الشرع إلى موسكو: آفاق جديدة للعلاقات السورية الروسية

زيارة الرئيس الشرع إلى موسكو: آفاق جديدة للعلاقات السورية الروسية

كتب محمد خير الوادي: أود أن أسلط الضوء على زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى موسكو. بدايةً، يجب الإشارة إلى نقطة هامة حددت طبيعة الزيارة وأجوائها وأثرت على نتائجها، وهي أن الرئيس بوتين، صاحب الشخصية القوية، يحترم السياسيين الأقوياء ولا يعير اهتمامًا كبيرًا للمتخاذلين والمستجدين. ويتجسد ذلك في تعامل بوتين الودي مع الرئيسين الأمريكي والصيني، وكذلك مع ولي العهد السعودي ورئيس دولة الإمارات، وغيرهم من قادة الدول الأقوياء في بلادهم.

أدرك الرئيس الروسي أن الرئيس الشرع، الذي صمد سنوات أمام القصف الروسي العنيف وقاد بجدارة معركة إسقاط بشار الأسد، يحتل مكانة متقدمة في صفوف هؤلاء السياسيين. ويحضرني في هذا المجال ما قاله الرئيس الروسي في وصفه لمعركة حلب، حيث ذكر أن ثلاثمائة مقاتل فقط هزموا ثلاثين ألفًا من قوات بشار الأسد، وكذلك قرار الرئيس بوتين بأن تلتزم القوات الروسية الحياد في معركة التحرير.

الرئيس الروسي يعشق اختبار صلابة مفاوضيه. فقد أرسل كلبًا أسودًا كبيرًا لبث الخوف في قلب المستشارة الألمانية ميركل، التي كانت تخشى الكلاب منذ صغرها. وتعرض قادة كثر لمواقف "اختبارية" مختلفة، كإجبارهم على الانتظار الطويل للضغط النفسي عليهم، أو إجلاسهم على أطراف طاولة المفاوضات، كما جرى مع ماكرون. وحدث الشيء نفسه هذه المرة مع الشرع، حيث اختار بوتين، قبيل اللقاء، أن يسلك الرئيس السوري درجًا طويلًا يقود إلى قاعة الاجتماعات، رغم وجود المصاعد. وقد علق الشرع مازحًا على ذلك بما معناه أننا اعتبرنا ذلك نوعًا من الرياضة التي اعتدنا ممارستها، ولذلك وصلنا إلى هنا.

تركت هذه الوقائع بصماتها الإيجابية على أجواء اللقاء بين الرئيسين. فقد عامل بوتين الشرع بكل احترام، واستقبله بوجه بشوش وبكلمات حارة، وكان الارتياح الشديد بادياً على تصرفات الرئيس الروسي أثناء اللقاء. وانعكس ذلك في التغطية الإعلامية للزيارة، حيث بث التلفزيون الروسي خبرًا مطولًا حول المباحثات، وأعيد بث الخبر عدة مرات وعلى كل المحطات السياسية الروسية. وشكل اللقاء مادة دسمة لكثير من التعليقات الإيجابية التي أكدت أهمية العلاقة مع سورية.

بالفعل، فإن زيارة الشرع إلى موسكو قد نقلت العلاقات الثنائية السورية الروسية إلى مستويات جديدة، وفتحت آفاقًا رحبة للتعاون المستقبلي بين البلدين. وإذا أردت أن أختصر نتائج هذه الزيارة، فإنني أقول إنها تمكنت من عبور مرحلة من التاريخ المؤلم بين البلدين، وتصحيح العلاقات الثنائية على قواعد الاحترام المتبادل والمساواة وتحقيق المنفعة المشتركة للطرفين. فالقواعد الروسية لم تعد تخدم مصالح روسيا بالدرجة الأولى، بل سيتم تعديل وظائفها بما يخدم سورية ويلبي حاجاتها الأمنية والإنسانية والتنموية. والاتفاقات الاقتصادية والتجارية ستصبح أقنية للتعاون النزيه والشفاف الذي سيساعد في نمو الاقتصاد السوري وتنشيط حركة إعادة الإعمار. وعلى الصعيد السياسي، فإن السياسة الروسية ستكون رديفًا في استعادة سورية لدورها على الصعيدين الدولي والإقليمي، بما يسهم في حماية استقلال سورية ووحدة أراضيها. صحيح أن الزيارة كانت قصيرة وليوم واحد، ولكن الصحيح أن نتائج هذه الزيارة قد فتحت آفاقًا واسعة لشراكة سورية روسية بعيدة الأمد، شراكة تلبي مصالح البلدين وتضمد جراح الماضي وتحيي الصداقة التاريخية بين الشعبين. (اخبار سوريا الوطن 1-مركز الوادي للدراسات الاسيوية)

مشاركة المقال: