الأربعاء, 22 أكتوبر 2025 12:18 AM

بعد موجة انتقادات.. المنشد السلمو يعتذر عن أغنيته المثيرة للجدل والسوريون يرفضون ثقافة التقديس

بعد موجة انتقادات.. المنشد السلمو يعتذر عن أغنيته المثيرة للجدل والسوريون يرفضون ثقافة التقديس

أجبرت موجة الانتقادات الواسعة التي طالت التمجيد والتطبيل، المنشد “عبد الله السلمو” على سحب أغنيته التي أهداها للرئيس السوري “أحمد الشرع”، وتقديم اعتذار علني للجمهور.

سناك سوري-دمشق

وكان “السلمو” قد أطلق أغنية بعنوان “سيدي الرئيس كلنا فداك”، والتي تضمنت عبارات تمجّد الرئيس الحالي، الأمر الذي أثار جدلاً كبيراً على وسائل التواصل الاجتماعي، وتضمّن هجوماً واسعاً من السوريين على كل ما يمتّ للتمجيد والتقديس بصلة، معتبرين أنهم وصلوا إلى مرحلة من الوعي والنضج ترفض تكرار نموذج نظام البعث السابق.

وقام “السلمو” بحذف الأغنية بعد مرور 24 ساعة على إصدارها، وأوضح في تسجيل صوتي أن الاعتراف بالخطأ من “شيم الرجال”، مقدماً اعتذاره لكل من شعر بأن الأغنية أعادت إلى ذاكرتهم ممارسات نظام الأسد البائد، من تملق وتمجيد وتقديس للحاكم السابق.

وعلى الرغم من حذف الأغنية من المنصات، إلا أن الجدل حولها لم يهدأ، وتحولت إلى محور نقاش واسع بين السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي. فبينما رأى الكثيرون أن ما فعله “السلمو” يعيد إلى الأذهان صور التمجيد القديمة التي كانت تُخصص لبشار الأسد ووالده، معتبرين أن هذا النمط من الخطاب “يتنافى مع روح الثورة” التي قامت لرفض تقديس الأفراد، اعتبر آخرون أن اعتذاره يمثل خطوة ناضجة تعبر عن وعي ومسؤولية، وإدراك لأهداف التغيير التي سعت الثورة لتحقيقها.

ما حدث مع “السلمو” لا يمكن اعتباره مجرد حادثة فردية، بل هو جزء من تحول أعمق في المزاج العام السوري بعد سنوات الحرب والانقسام. فالسوريون الذين نشأوا على أغاني الولاء الإجباري، أصبحوا أكثر حساسية تجاه أي خطاب يعيد إنتاج رموز السلطة الفردية، وباتوا يميزون بين حب الوطن وتمجيد الحاكم. هذا التحول لم يصنعه الإعلام، بل التجربة نفسها، تجربة الخوف والفقد والخذلان، التي جعلت السوري يرى أن الخلاص لا يكمن في تأليه أحد، بل في بناء مؤسسات لا تختزل بشخص.

أغاني تمجد النظام السابق

اشتهرت فترة حكم نظام البعث للأسد الأب والابن بالعديد من الأغاني التي تمجدهما، ولعل أشهرها أغنية الفنانة السورية “أصالة نصري”، “حماك الله يا أسد”، علماً أن “نصري” ذاتها تحولت إلى معارضة للنظام السابق وانضمت للثورة.

ودخل فنانون لبنانيون على خط تمجيد “القائد”، فغنى الفنان “علي حليحل” “أبو باسل قائدنا”، كما اشتهرت العديد من الأغاني الشعبية مثل “نور ونار يا أسدنا”، والأغنية التي أطلقتها سيرياتيل “منحبك” وغيرها. والمشكلة تذهب أبعد من تمجيد الحاكم بأغنية عابرة، حيث كانت توسم تلك الأغنية بأنها “وطنية”، مختصرةً الوطن بشخص، ويتم ترديدها بكافة المناسبات الوطنية التي لا علاقة للحاكم بها إنما ترتبط بتاريخ البلاد ومكانتها ومواطنيها.

تمجيد الحاكم بالأغاني.. سمة الحكّام العرب

وبينما لن يسمع أو يشاهد المواطن العربي أي أغنية تمجد حاكم غربي، إلا أنه بالتأكيد سمع وشاهد عشرات الأغاني التي تمجد الحكام العرب. على سبيل المثال أطلق فنان أردني أغنية “الهيبة” للملك الأردني عبد الله الثاني في عيد ميلاده، كما أن هناك العديد من الأغاني المشابهة مثل “بالعلالي” و”رجال الملك”.

ولم تخلُ مصر بكامل ثقلها الوطني من أغاني تمجيد القائد، ودخل على الخط فنانون من عمالقة الفن العربي مثل الراحل “عبد الحليم حافظ”، الذي غنى “عبد الناصر حبيبنا”، و”يا جمال يا حبيب الملايين”، و”أم كلثوم” بأغنية “يا جمال يا مثال الوطنية”.

وبالطبع لم تغِب أغاني التمجيد عن الساحة الخليجية، فها هو “عبد الله الدوسري” يغني للملك السعودي “عاش الملك”، كذلك أغاني لفنانين محليين مثل “رمز العرب” و”بوجود أبو سلمان”. كذلك عن قطر التي غنّى فنانون محليون وحتى عرب تمجيداً لأميرها “تميم بن حمد آل ثاني”، مثل أغنية “تميم المجد” و”أسود تميم” و”تميم الغالي وحده لو شد حيله” وغيرها.

ولعلّ من صدح بالأغاني التي تمجد الزعيم الليبي الراحل “معمر القذافي” لسنوات طويلة، هو ذاته من فرح لخبر إزاحته من الحكم ولاحقاً مقتله بعد الثورة ضده، ويمتلئ الأرشيف الليبي بالأغاني التي تمجد “القائد”، مثل “غالي علينا”، “على صوت الحق ينادي”.

وهكذا يمكن القول إن أغاني التمجيد ليست فناً بريئاً، بل أداة سياسية رافقت كل نظام شمولي تقريباً، من البعث إلى أنظمة عربية أخرى، هي تعبير عن علاقة مختلة بين الحاكم والمحكوم، حيث يستبدل الولاء للدولة بولاء لشخص، وتتحول الثقافة من مساحة نقد إلى مساحة تطبيل.

ورفضُ السوريين اليوم لأغنية “السلمو” هو رفضٌ رمزيّ لإعادة إنتاج تلك العلاقة، حتى لو جاءت بوجه جديد وشعارات مختلفة.

مشاركة المقال: