الأربعاء, 22 أكتوبر 2025 04:21 AM

قلعة يحمور في طرطوس: ذاكرة تاريخية وحاضنة مجتمعية تتألق من جديد

قلعة يحمور في طرطوس: ذاكرة تاريخية وحاضنة مجتمعية تتألق من جديد

تعتبر المواقع الأثرية في سوريا فضاءً خصباً للتعاون بين المنظمات الأهلية والمجتمع المحلي، بهدف الحفاظ على التراث العمراني المتميز. ومن هذا المنطلق، تؤمن جمعية "عاديات طرطوس" بأهمية المشاركة المجتمعية في صون التراث، وتسعى جاهدة لتحفيز المجتمع الأهلي على حماية المواقع الأثرية.

وقد تجسدت هذه الرؤية في مبادرة إحياء "قلعة يحمور" وجوارها، بهدف تحويلها إلى وجهة سياحية بارزة، وإبراز نجاح التعاون بين المنظمات الأهلية، المجتمع المحلي، والجهات الحكومية.

تصف الدكتورة بتول عيسى، رئيسة جمعية العاديات في طرطوس، التي قادت المبادرة على مدى ستة أشهر من العمل الميداني، "قلعة يحمور" بأنها "رمز حي لتاريخ طويل ومعقد، وليست مجرد معلم سياحي".

اختارت الجمعية موقع قلعة يحمور لأسباب عدة، منها أهميتها التاريخية. فالقلعة تحمل اسماً عربياً نسبة إلى القرية التي تقع فيها، وتُعرف بالسريانية باسم "الأحمر"، ربما بسبب لون التربة في المنطقة، بينما يطلق عليها باللاتينية "الفرنجية" اسم "القصر الأحمر". وتتميز القلعة بأنواع الحجارة الحمراء التي بنيت منها.

تشير الحفريات، وفقاً للدكتورة عيسى، إلى أن المنطقة كانت مأهولة في العصور القديمة. ففي عام 1976م، اكتشف جان سابان موقعاً غنياً بالقطع الصوانية المشذبة بالقرب من يحمور، يُسمى "رامة البصة" "أرض حمد". وفي عام 1989م، درست البعثة الجيومورفولوجية المشتركة "السورية ـ الفرنسية" منطقة طرطوس، وبشكل خاص "رامة البصة"، ووجدت نوى وشظايا وفؤوساً صوانية ذات وجهين بكثرة، ما يدل على أن الإنسان سكن الموقع لفترة طويلة خلال العصور الآشولية. وقد تم حفظ هذه القطع في متحف طرطوس.

تاريخ القلعة العريقة، المسجلة في قائمة التراث الوطني في سوريا، يكتنفه بعض الغموض، لعدم توفر معلومات كافية عنها حتى أوائل القرن الثاني عشر الميلادي، عندما استولى عليها فرنجة أنطاكيا.

تقع القلعة على أرض منبسطة، وهي مربعة الشكل، مبنية من الحجارة الرملية الحمراء. ويعد السور الضخم الذي يحيط بالقلعة أحد الأسباب التي دفعت جمعية العاديات إلى التركيز عليها، إذ يعتبر محيطاً واضح المعالم. كما أن موقع القلعة في قلب الحاضنة المجتمعية لقرية يحمور كان أحد الأسباب الرئيسية لاختيار الجمعية لهذه المبادرة، بهدف ترسيخ فكرة التعاون مع المجتمع المحلي.

بدأت الجمعية، بحسب الدكتورة عيسى، في عمليات تأهيل شاملة، شملت إزالة النباتات الضارة التي كانت تهدد استقرار البناء، وتنظيف الأحجار المتناثرة في المواقع المختلفة. وأكدت أن الهدف الأساسي من هذه الأعمال هو الحفاظ على الطابع التاريخي والمعماري للقلعة، وضمان عدم تعرضها للتدهور مستقبلاً.

اختتمت عيسى حديثها بالقول: "تبقى قلعة يحمور أكثر من مجرد معلم سياحي، إنها قلب نابض لتاريخ المنطقة، وتعكس التعايش الثقافي والتطور الحضاري عبر العصور".

اليوم، تمثل القلعة وجهة سياحية رئيسية في منطقة طرطوس، حيث يزورها السياح من مختلف أنحاء العالم للاستمتاع بموقعها المميز وجمالها المعماري، بالإضافة إلى غناها التاريخي الذي يعكس قصص الحروب القديمة والتنوع الحضاري.

تظل قلعة يحمور رمزاً للتراث العمراني السوري، مستمرة في نقل الحكايات التي مرت بها المنطقة عبر الأزمان، وتشكل جزءاً لا يتجزأ من الهوية الثقافية لطرطوس، وتساهم في تعزيز الذاكرة الجماعية للأجيال الجديدة، وتجسد الإرث الثقافي العريق للمحافظة.

مشاركة المقال: