تسبب قرار مفاجئ من الحكومة السورية بإغلاق معظم المعابر التي تربط مناطق سيطرتها بمناطق "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في دير الزور، بما في ذلك المعابر النهرية الحيوية، في شلل الحركة الإنسانية والتجارية. هذا الإجراء، الذي لم يصدر بشأنه بيان رسمي حتى الآن، حوّل حركة الأفراد والبضائع بأكملها إلى معبر وحيد هو "الجسر الترابي" في دير الزور، مما فاقم معاناة المدنيين وزاد الضغط على هذا المعبر المؤقت.
يلجأ السكان إلى المعابر النهرية بسبب تكرار إغلاق "قسد" لمعبر الجسر الترابي الواصل بين ضفتي الفرات (شرقًا وغربًا)، ومنع عبور أي سيارة محملة بالبضائع، والسماح فقط للسيارات الفارغة أو المحملة بالفروج. يعتمد السكان بشكل أساسي على هذه المعابر لتلبية احتياجاتهم اليومية والتنقل للوصول إلى المستشفيات والجامعات والأسواق، مما يجعل تنقلهم مسألة حياة يومية حيوية وليست مجرد حركة تجارية.
في الوقت الذي يعيق فيه الازدحام المروري عبور المرضى والطلاب والعمال، تفاقمت الأزمة الاقتصادية نتيجة فرض "قسد" ضرائب باهظة تصل إلى آلاف الدولارات على البضائع القادمة من مناطق الحكومة، مما يهدد بارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية والوقود والأدوية.
وبحسب عبد الرحمن العلي، أحد أبناء مدينة دير الزور، فإن معاناة المدنيين، بمن فيهم المرضى والطلاب والعاملون، تفاقمت، حيث باتوا يواجهون ازدحامًا يستنزف ساعات طويلة من أوقاتهم في أثناء الانتظار لعبور النهر عبر الجسر الترابي الواصل بين مناطق سيطرة "قسد" ومناطق سيطرة الحكومة السورية في دير الزور. تكمن المشكلة في أن الطبيعة المؤقتة والترابية للجسر تجعله غير مهيأ لاستيعاب هذا التدفق الهائل، مما يزيد من صعوبة العبور ومخاطره، ويحول التنقل الضروري إلى عملية مرهقة و"مذلة".
وأضاف عبد الرحمن لعنب بلدي، أن عرقلة دخول مواد البضائع من مناطق الحكومة لمناطق سيطرة "قسد" بسبب فرض ضرائب قد تصل إلى ألف دولار أمريكي، بحسب نوع المركبة والبضاعة، يهدد بارتفاع في أسعار المواد الغذائية والوقود والأدوية على حد سواء، مما يفاقم الأزمة المعيشية والاقتصادية للسكان على جانبي مناطق السيطرة.
أعرب تجار التقتهم عنب بلدي عن قلقهم بشأن تجارتهم وتضررها من الضرائب المفروضة من قبل "قسد"، فهي تزيد من أسعار السلع، وتعود بأثر سلبي على المواطن. التقت عنب بلدي عددًا من الأهالي الذين يستخدمون الجسر الترابي للتنقل بين ضفتي الفرات، وعبروا عن استيائهم من الضرائب المفروضة على جميع السيارات غير المسجلة لدى "الإدارة الذاتية".
وقال بهاء الدين رجب إنه كل شهر يدفع وصلًا لعبور الجسر بمبلغ 200 ألف ليرة سورية، ما يعادل نحو 18 دولارًا، فرضتها إدارة المعابر التابعة لـ"قسد". ومن جهته، قال رائد الخلف، الذي قدم من دولة الكويت في زيارة إلى بلدة السوسة بريف دير الزور الشرقي الخاضعة لسيطرة "قسد"، إنه تفاجأ من وجود ضريبة جمركية داخل دير الزور للتنقل من ضفة لأخرى، وكأنه يعبر "من دولة إلى أخرى".
تتكرر حوادث السقوط بسبب استخدام عبارات بدائية لنقل البضائع والسكان بين ضفتي النهر، نتيجة غياب معابر مهيئة. في 21 من تشرين الأول، شهد ريف دير الزور الغربي حادثتين على المعابر النهرية الواصلة بين شرق الفرات وغربه، بحسب مراسل عنب بلدي. الأولى لانزلاق شاحنة محملة بخزانات مياه عند معبر البغيلية، أدت إلى هبوط قسم من الحمولة في الماء. والحادثة الثانية غرق سيارة شحن من نوع "أنتر" على معبر الجنينية، بريف دير الزور الغربي دون تسجيل أي إصابات، في الحادثتين. وفي 13 من تشرين الأول، أفاد مراسل عنب بلدي في دير الزور، أن سيارة محملة بالسماد العضوي اضطرت للعبور عبر العبارات النهرية، قرب معبر حي البغيلية بريف دير الزور الغربي، ما أدى إلى سقوطها. وفي مطلع شهر أيلول الماضي، سقطت شاحنة محملة بالمواد النفطية عند معبر العشارة درنج بريف دير الزور الشرقي أدت لتلوث كبير في مياه النهر.
أكد مصدر حكومي مسؤول في إدارة معبر الجسر الترابي بدير الزور لعنب بلدي أن الإغلاق جاء دون صدور قرار رسمي معلن، بل تم عبر تعميمات شفهية. وكشف المصدر، الذي تحفظ على ذكر اسمه، أن التعميم الأخير ركز تحديدًا على منع حركة السيارات المحملة بالبضائع من وإلى مناطق سيطرة "قسد"، مع التركيز بشكل خاص على منع عبور الخضروات والأسمنت. هذا المنع المباشر للبضائع الأساسية يشي بأن الهدف يتجاوز الأسباب الأمنية البحتة نحو استخدام المعابر كأداة للضغط الاقتصادي، وفق المصدر الحكومي.
وشهدت المعابر بين الحكومة و"قسد" إغلاقًا أعقبه توترات في بعض المناطق، إلى جانب دير الزور، وعلى رأسها معبر "الطبقة"، الذي يربط الرقة بحماة، والمعابر التي تصل ريف حلب الشرقي عند دير حافر. وفاقم التوتر الأمني والسياسي بسبب تعثر تطبيق اتفاق "10 من آذار"، الذي وقعه الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، وقائد "قسد" مظلوم عبدي. الاتفاق نصّ على دمج مؤسسات "قسد" العسكرية والمدنية بالدولة، إلا أنه يواجه عراقيل وتصعيدًا عسكريًا بين الجانبين. بالمقابل، لا يزال مسار التفاوض ساريًا رغم التصعيد العسكري، إذ التقى عبدي بوزير الدفاع السوري، مرهف أبو قصرة، في 7 من تشرين الأول الحالي، معلنين التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار. الاتفاق جرى بعد اشتباكات شهدتها مدينة حلب، بين القوات الحكومية، و"قسد" الموجودة في حيي الأشرفية والشيخ مقصود، ضمن المدينة، في 6 من تشرين الأول.