يشهد قطاع التعليم في حي الليرمون شمال مدينة حلب تحديات جمة نتيجة الدمار الذي خلفته سنوات الحرب، والذي أثر بشكل كبير على البنية التحتية للحي، بما في ذلك المدارس والمؤسسات التعليمية. على الرغم من عودة أكثر من 600 عائلة إلى الحي خلال العامين الماضيين، إلا أن مدرسة واحدة فقط تعمل بشكل جزئي، وتستقبل ما يزيد على 400 طالب وطالبة موزعين على ثلاث فترات يوميًا، في ظل نقص حاد في المرافق الأساسية وازدياد ملحوظ في عدد السكان.
يقول محمد أحمد، وهو أب لثلاثة أطفال، إن أبناء الحي يتلقون تعليمهم في بيئة غير مناسبة، حيث يتجاوز عدد الطلاب في الصف الواحد الخمسين طالبًا، مما يؤثر سلبًا على جودة التعليم ويشكل عبئًا على المعلمين. ويضيف أن المدرسة تفتقر إلى الحد الأدنى من المستلزمات، مشيرًا إلى أن الدمار الشامل الذي لحق بالمنطقة أدى إلى تعطيل معظم المدارس، مع غياب أي تحرك فعلي لإصلاح الوضع.
ولا تقتصر أزمة حي الليرمون على نطاقها المحلي، بل تعكس واقعًا أوسع يعصف بالقطاع التعليمي في سوريا. فوفقًا لتقارير أممية، تعرض أكثر من 7000 مبنى مدرسي لأضرار جسيمة، بينما انقطع نحو 2.3 مليون طفل عن الدراسة، مع توقعات بزيادة هذا الرقم نتيجة الانهيار المستمر للبنية التعليمية وتدهور الأوضاع المعيشية. تحولت بعض المدارس إلى ملاجئ مؤقتة أو مواقع عسكرية، بينما تفتقر مدارس أخرى إلى أبسط المقومات، مثل الأثاث والكتب والأدوات التعليمية. هذا الوضع يجعل إعادة تأهيل المدارس أولوية وطنية تتطلب استجابة ملموسة من الجهات المختصة والمنظمات الدولية لضمان حصول الأطفال على تعليم آمن ومتوازن. لم يعد التحدي يقتصر على تجهيز الفصول الدراسية، بل يمتد إلى توفير الإرادة السياسية والموارد الفعلية لإنقاذ هذا القطاع من الانهيار الكامل.
أما أنس قدور، أحد سكان الحي، فيشير في حديثه لـ”سوريا 24” إلى مشكلة إضافية تتعلق بغياب التعليم الثانوي، مما يضطر الطلاب إلى التوجه يوميًا إلى أحياء بعيدة لمواصلة دراستهم. ويقول: “ابنتي في الصف العاشر، ولا توجد مدرسة ثانوية في الليرمون، لذلك أضطر إلى إرسالها يوميًا إلى حي بعيد لتكمل تعليمها”، لافتًا إلى أن طول الطريق وسوء المواصلات يشكلان عائقًا يوميًا. ويشيد بإصرار ابنته على متابعة تعليمها بعد عودة الأسرة من تركيا، لكنه يؤكد أن ظروف التعليم ما زالت قاسية، في ظل نقص الرعاية والدعم اللازمين لتسهيل العملية التعليمية.
من جانبه، يوضح أحمد كامل شريف، مختار حي الليرمون، في تصريح خاص لـ”سوريا 24”، أن المنطقة بحاجة ماسة إلى تدخل عاجل وخطط تأهيل شاملة للنهوض بالمدارس. ويقول: “لدينا مدرسة واحدة فقط تعمل حاليًا، لكنها غير مؤهلة بشكل كاف، وتعاني من ضغط كبير في أعداد الطلاب”. ويضيف أن السلطات المحلية اضطرت إلى تقسيم الدوام المدرسي إلى ثلاث فترات يوميًا لاستيعاب الطلبة، مشيرًا إلى أن العدد مرشح للزيادة مع استمرار عودة العائلات المهجرة. ويطالب شريف الجهات المختصة والمؤسسات الإنسانية بتسريع عمليات الترميم، مشيرًا إلى وجود ثلاث مدارس أخرى في الحي؛ واحدة مدمرة بشكل شبه كامل، واثنتان تحتاجان إلى إعادة تأهيل جذرية، لكن لا توجد مؤشرات واضحة على بدء أي مشاريع صيانة أو تطوير حتى الآن.
على الرغم من المطالب المتكررة من السكان والمجتمع المحلي لتحسين وضع المدارس وتوفير وسائل نقل خاصة للطلاب، لا تزال الاستجابة الرسمية خجولة، مما يترك مصير العملية التعليمية معلقًا على مبادرات فردية وجهود أهلية، في وقت يتطلع فيه الأهالي إلى تدخل فعلي يعيد لأبنائهم حقهم الأساسي في التعلم ضمن بيئة تليق بالحد الأدنى من الكرامة الإنسانية.