الأحد, 26 أكتوبر 2025 10:23 PM

من الخوف إلى الهيمنة: كيف تحولت أمريكا إلى قوة عالمية

من الخوف إلى الهيمنة: كيف تحولت أمريكا إلى قوة عالمية

شبكة أخبار سوريا والعالم/ دمشق – المهندس باسل قس نصر الله: في عام 1786، كتب جون جاي، وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية، واصفاً وضع بلاده قائلاً: "نحن أشبه بأقزامٍ في عالمٍ مأهولٍ بالعمالقة، وبقاؤنا مرهونٌ بمشيئتهم، وبُعدُنا عن أوروبا يمنعنا أن نكون لقمةً سائغة تبتلعها هذه الوحوش الكاسرة التي تملك شهيةَ التهام الشعوب الأخرى وأراضيهم." هكذا كانت أميركا، تخشى أوروبا.

بعد ثورة الولايات الأميركية الثلاث عشر ضد بريطانيا، التي كانت تحتلها وتفرض قوانينَ قاسيةً، بدأت أمريكا في بناء دولتها. كانت بريطانيا تحظر على المستعمرات إقامة مصانع معينة، مثل أفران صهر الحديد وأدوات المطبخ، مما أجبر الأميركيين على استيراد هذه المنتجات من بريطانيا العظمى. وقبل عام 1775، زاد غضب الأميركيين بسبب حظر إقامة مصانع النسيج، لحماية صناعة النسيج البريطانية.

من هذا الظلم، وُلدت الثورة الأميركية. وبعد الاستقلال، اهتم الأميركيون بالتجمع والزراعة والصناعة وبناء المعامل، لتصبح الولايات المتحدة خلال مائة وخمسين عاماً قوةً سياسيةً واقتصاديةً وزراعيةً وصناعيةً وعلميةً.

لم يعر العالم اهتماماً كبيراً لأمريكا خلال الحرب العالمية الأولى (1914–1918)، لكنه ترجاها أن تتدخل في الحرب العالمية الثانية (1939–1945) لتغيير موازين القوى. خرجت الولايات المتحدة من الحرب قوةً عظمى، وبدأت بإعادة ترتيب الأوراق وإزاحة الدول المنافسة.

في 14 شباط 1945، وبعد مؤتمر يالطا (٤ إلى ١١ شباط ١٩٤٥) مع تشرشل وستالين، التقى الرئيس الأميركي فرانكلين د. روزفلت على متن الطراد الأميركي كوينسي بكلٍّ من الملك السعودي عبد العزيز بن سعود، والملك المصري فاروق، والإمبراطور الأثيوبي هيلاسيلاسي. ومن هناك بدأت عملية طرد بريطانيا من المنطقة والحلول الأميركي محلها.

كانت اليونان، وفق تقسيم يالطا، من اختصاص بريطانيا. لكن السفير البريطاني في أثينا، اللورد إنفرسال، اكتشف أن البلاد على وشك الوقوع في أيدي الشيوعيين إن لم تحصل على مساعدات عاجلة. فكتب إلى رئيس الوزراء كليمنت آتلي، الذي طلب بدوره من الرئيس الأميركي هاري ترومان (1945–1953) أن تحل الولايات المتحدة محل بريطانيا في دعم اليونان. ومن هنا بدأ التدخل الأميركي المباشر في شؤون الدول بطلبٍ أوروبيٍ صريح.

بعد أن أصبحت أميركا القوة الأولى في العالم، يذكر التاريخ مواجهةً في باريس عام 1974، حين وقف وزير خارجية فرنسا ميشيل جوبير أمام نظيره الأميركي هنري كيسنجر قائلاً له: "هل تظن أننا لا ندرك خطتكم؟ أنتم ترفعون أسعار النفط (أربع مرات)، وتتركون لأصحاب البترول جزءاً من ثروتهم الجديدة، أما الباقي فسيجد طريقه إلى بنوككم وخزائنكم." فأجابه كيسنجر ببرودٍ: "لا يعنيني ما تدركونه أو ما لا تدركونه. المهم أن تفهموا أن مشروع "مارشال" قد انتهى. لقد كان حصولكم على الوقود الرخيص جزءًا من مشروع مارشال لمساعدتكم، ولقد ساعدناكم، لكنكم الآن على وشك منافستنا بما ساعدناكم به. ثم لا تنسوا أن الولايات المتحدة هي التي تتولى بردعها النووي حماية أوروبا."

وعلّق كيسنجر لاحقاً بسخريةٍ جارحةٍ على خصمه الفرنسي: "عقدة ميشيل جوبير هي قصر قامته، فطوله لا يزيد عن مترٍ ونصف، والكعوب العالية في حذائه لا تضيف أكثر من خمسة سنتيمترات، وهي ليست كافية لتحويل قزمٍ إلى إنسانٍ طبيعي."

لذلك، لا عجب اليوم أن نرى الصورة المخجلة لزعماء أوروبا وهم يجلسون بأدبٍ أمام مكتب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يستمعون إلى إملاءاته، وكأنهم تلاميذ في صفّ الروضة. وكما قدّمت بريطانيا اليونان لأميركا، فقد قدّمت بعدها العالم كله.

فـ "كاليميرا" ترامب — أي صباح الخير باليونانية — هي اليوم "كاليميرا أميركا".

اللهم اشهد بأني قد بلّغت.

مشاركة المقال: