عنب بلدي – أمير حقوق - تدخل سوريا مرحلة إعادة تقييم لعلاقاتها الخارجية، خاصة مع الدول التي دعمت نظام الأسد كقوى إقليمية ودولية، مثل الصين وروسيا، وذلك في ظل سعي دمشق لانفتاح دولي تبرره الظروف السياسية والاقتصادية الراهنة.
في خطوة ذات دلالات مهمة لمسار العلاقات السورية-الصينية، أعلن وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، عن زيارة رسمية إلى بكين في مطلع تشرين الثاني المقبل، مشيرًا إلى أن "الحكومة أعادت تصحيح العلاقة معها، خاصة أنها كانت تدعم النظام السابق سياسيًا وتستخدم الفيتو لمصلحته".
حاجة تنويع العلاقات
على مدى أكثر من عقد، اتسمت العلاقات بين دمشق وبكين بتحالف سياسي قوي، مع دعم سياسي صيني للنظام السابق واستخدام حق النقض في مجلس الأمن لصالحه. ومع سقوط النظام السابق في كانون الأول 2024، تتاح فرصة لدمشق لإعادة بناء علاقاتها السياسية مع الصين، على غرار روسيا.
بعد سقوط نظام الأسد، سعت الإدارة السورية لإعادة قنوات الاتصال مع الدول التي دعمته، باستثناء إيران، من خلال الزيارات الرسمية المتبادلة مع روسيا، ونية الصين فتح مكتب دراسات صينية في دمشق، وفقًا للكاتب السياسي درويش خليفة. وأضاف أنه في ظل المشهد السياسي المتغير في سوريا، تحتاج سوريا لتنويع علاقاتها مع الغرب والشرق، مما يبرز الحاجة للصين كدولة دائمة العضوية في مجلس الأمن، للاستفادة من صوتها في رفع العقوبات عن سوريا مستقبلًا.
إعادة تموضع دبلوماسي
يرى الباحث في الشؤون العربية، علي فوزي، أن زيارة وزير الخارجية السوري إلى بكين تمثل "إعادة تموضع دبلوماسي عملي، وليس مجرد إرجاع علاقات رمزية". فالصين كانت شريكًا سياسيًا استراتيجيًا للنظام السابق، والمرحلة الحالية تعكس محاولة لبناء علاقة جديدة قائمة على مصالح ملموسة، خاصة مع دخول دمشق مرحلة انتقالية تتطلب شراكات لإعادة الإعمار والاستقرار.
محركات التقارب السوري- الصيني
مع سعي الحكومة السورية لإعادة تموضعها دوليًا، تبرز الصين كوجهة محتملة لإحياء شراكات قديمة وتأسيس أخرى جديدة، مدفوعة بمجموعة من المحركات السياسية والاقتصادية.
أشار الباحث علي فوزي إلى الضغوط الاقتصادية الهائلة على سوريا وحاجتها لتمويل إعادة الإعمار، ورغبتها في تأمين شركاء لتنفيذ مشاريع بنية تحتية كبرى، بالإضافة إلى مصلحة بكين في توسيع نفوذها الاستثماري والجغرافي في الشرق الأوسط، وتعزيز دورها الإقليمي.
يعتقد الكاتب السياسي درويش خليفة أن الصين لديها مصلحة بتجنيس سوريا "الأويغور" الذين قاتلوا ضد نظام الأسد، وتعتبرهم متشددين. وتخشى الصين من عودة هؤلاء إلى أراضيها وتسببهم بمشكلات أمنية مستقبلًا.
ضمانات سياسية للصين وتمويل "عاجل" لسوريا
لا تقتصر زيارة الشيباني إلى بكين على الجانب البروتوكولي، بل تتضمن ملفات تسعى دمشق وبكين لمناقشتها، مثل آليات ضمان الأمن في مناطق إعادة الإعمار، وإدارة وجود الشركات الصينية في بيئة أمنية هشة، ومخاطر المقاتلين الأجانب، وقضايا المساءلة القانونية الخاصة بالعقود والاستثمارات.
يرى علي فوزي أن الأولوية الاقتصادية تتصدر جدول الأعمال، حيث تحتاج سوريا إلى تمويل عاجل ومشروعات تنفيذية، بينما تسعى الصين إلى ضمانات سياسية واستقرار مؤسسي يحمي مصالحها.
ملف "التصويت"
يرى الكاتب السياسي درويش خليفة أن ملف التصويت في مجلس الأمن بخصوص "هيئة تحرير الشام" أو زعمائها السابقين، كالرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، ووزير داخليته، أنس خطاب، يمثل أهمية كبيرة لتسهيل حركة الشرع وخطاب في أثناء السفر.
أوضح الباحث علي فوزي أن بكين تتعامل مع التصويت في القضايا السورية وفق منطق إدارة المخاطر والمصالح، وأن المطالبة بضمانات تصويت أو شطب أسماء من قوائم العقوبات مسألة حساسة وتخضع لتوازنات سياسية وقانونية دقيقة.
دعم سياسي ومكاسب اقتصادية
ستحدد العلاقة بين الطرفين وفقًا لمطالب متبادلة، حيث يسعى كل طرف لتحقيق مصالحه سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا، بحسب المحللين السياسيين.
يرى علي فوزي أن سوريا ستسعى للحصول على دعم سياسي في المحافل الدولية، وتسهيلات مالية وتجارية، بينما تسعى الصين لتحقيق مكاسب اقتصادية وجيوسياسية، تشمل فرصًا واسعة في مشاريع إعادة الإعمار والبنية التحتية، وموقعًا استراتيجيًا في شرق المتوسط يعزز مبادرة "الحزام والطريق".
"الأويغور" أولها
يرجح الكاتب درويش خليفة أن الصين ستحدد مطالبها بعاملين: الجانب الأمني المتعلق بـ"الأويغور"، والجانب الاقتصادي المتعلق بالعقود التي تم توقيعها مع النظام السابق.
وتوقع ألا تعود العلاقة كما كانت سابقًا بين سوريا والصين خلال عهد الأسد، بل ستعود تدريجيًا مع بناء الثقة بين الطرفين، خاصة في ظل الضغوط الأمريكية والغربية لعزل سوريا عن الصين وروسيا.
كيف ستنعكس العلاقة اقتصاديًا؟
مع اقتراب استئناف العلاقات السورية- الصينية، تبرز تساؤلات حول كيفية استفادة سوريا من هذه العلاقات، ودور الصين في إعادة الإعمار، والملفات الاقتصادية التي يمكن أن تلعب فيها دورًا بارزًا.
أوضح الأستاذ الجامعي في كلية الاقتصاد بجامعة "حماة" الدكتور عبد الرحمن محمد، أنه يمكن لسوريا أن تستفيد من علاقاتها الاقتصادية مع الصين في عدة ملفات، أهمها: الاستثمار في البنية التحتية، وتعزيز التجارة، والمساعدات المالية، والاستثمار في قطاع الطاقة.
ويرى الدكتور عبد الرحمن محمد أن تعزيز هذه العلاقات يتطلب إدارة دقيقة للتحديات السياسية والاقتصادية، ولكن الفرص المتاحة تجعل من هذه العلاقات محورًا مهمًا في المستقبل.
وكانت الصين أكدت دعم الحكومة السورية في سعيها لتحقيق مصالح الشعب وتسوية الخلافات بالطرق السلمية، معتبرة أن سوريا "دولة محورية في الشرق الأوسط"، وأن التطورات فيها سيكون لها أثر مباشر على "الاستقرار والأمن الإقليميين"، ودعت الأطراف الدولية إلى "دعم الحلول السياسية وتهيئة الظروف للتنمية المستدامة".