الثلاثاء, 28 أكتوبر 2025 09:36 PM

التسول في دمشق: المراكز الحكومية غير كافية لمواجهة تفاقم الظاهرة

التسول في دمشق: المراكز الحكومية غير كافية لمواجهة تفاقم الظاهرة

شهدت دمشق في السنوات الأخيرة انتشارًا واسعًا للمتسولين أمام المحال التجارية والمساجد وفي الطرقات العامة. وبينما يعاني بعضهم من حاجة فعلية للمال، تنشط شبكات منظمة تديرها جهات معينة، مما أدى إلى تفاقم الظاهرة وتحويلها إلى ما يشبه المهنة.

يوميًا، ينضم أفراد جدد إلى المتسولين، وتلفت أنظار المارة أساليبهم المختلفة في التسول. يلاحظ أن معظمهم حفاة القدمين ويرتدون ملابس رثة، بينما يضع البعض ضمادات طبية على أجزاء مختلفة من أجسادهم لاستعطاف المارة وزيادة ما يحصلون عليه من المال.

يثير استمرار هذه الظاهرة تساؤلات حول فعالية الإجراءات التي تتخذها الجهات المعنية، وعلى رأسها وزارتا الشؤون الاجتماعية والداخلية، لمعالجة أوضاع المتسولين والشبكات التي تستغلهم.

أطفال وكبار السن

الطفلة آية، التي تجهل عمرها الحقيقي، صرحت لعنب بلدي أنها تعمل في التسول بجانب كلية الآداب على أوتوستراد المزة، من الصباح حتى الظهيرة، لتوفير المال لزوج أمها. وتضيف أنها لا تستطيع الذهاب إلى المدرسة لأنه يمنعها من التعليم.

أما الستينية محاسن، التي تتسول في حي البرامكة، فتقول: "تهجرت من منزلي في ريف حلب، ولا أملك المال الكافي لعلاج ابني، ولا أستطيع العمل بأي مهنة بسبب كبر سني وعدم قدرة قدمي على تحمل الوقوف لساعات طويلة". تجلس محاسن يوميًا من الصباح حتى المساء، وتجمع ما يقدر بنحو 70 ألف ليرة سورية، ثم تذهب إلى مستشفى "المواساة" حيث ينام ابنها المريض.

في المقابل، استطلعت عنب بلدي آراء عدد من المارة في شوارع دمشق، وأكد معظمهم أن الأطفال وكبار السن يمتهنون التسول، وأن هناك أفرادًا يديرون شبكات من الأطفال لجمع المال لصالحهم. وطالبوا بضرورة ضبط هذه الحالات بفعالية، وتعاون المجتمع مع الجهات المعنية لحل هذه المشكلة.

خمسة مراكز تضم 125 حالة فقط

مديرة مكتب مكافحة التسول في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، خزامة النجاد، أوضحت لعنب بلدي أن هناك خمسة مراكز في دمشق وريفها مخصصة للمتسولين. ثلاثة منها تقع في باب مصلى بدمشق، وهي مخصصة للإناث من عمر 4 إلى 18 سنة والعائلات. أما المركزان الآخران فيقعان في الكسوة وقدسيا بريف دمشق، وهما مخصصان للذكور فقط. ويوجد مركز واحد في حلب، بينما لا توجد مراكز للمتسولين في بقية المحافظات.

وأضافت أن عدد المتسولين في مراكز التسول بدمشق وريفها يبلغ 125 حالة فقط، وأن هناك أسبابًا عديدة للتسول، منها الظروف الاقتصادية والاجتماعية والتفكك الأسري، بالإضافة إلى اتخاذ التسول كمهنة.

تقدم المراكز الخاصة بالمتسولين خدمات متنوعة، منها الخدمات القانونية والصحية من خلال المتابعة الدائمة، والتعليمية من خلال تسجيلهم في المدارس أو تدريسهم داخل المركز، ولم شمل الأسر، وتمكين العائلات التي تعاني من وضع اقتصادي صعب دفعها إلى التسول، وفقًا للنجاد.

وأشارت إلى أن مدة إقامة الأطفال المتسولين أو العائلات تتراوح بين ستة أشهر وعامين، يتم خلالها تقديم جميع الخدمات اللازمة، بالإضافة إلى أن بعض الجمعيات تنظم أنشطة للأطفال داخل هذه المراكز.

جهود مكافحة التسول

أكدت النجاد أنه يتم التنسيق بين مديرية الشؤون الاجتماعية والقصر العدلي وأقسام الشرطة لمكافحة التسول. وفي حال وجود أي حالة، يتم الإبلاغ عنها وضبطها، ثم إحالتها إلى مركز الشرطة وكتابة ضبط بها، ومن ثم يتم تحويلها إلى القصر العدلي لأخذ الموافقة إما بتحويلها إلى أحد مراكز الرعاية أو تسليمها للأهل بحسب الحالة.

وأشارت إلى أن المشكلة سابقًا كانت عدم توفر مراكز لرعاية المتسولين، حيث كان يوجد مركزان فقط، أما اليوم فقد ازداد العدد، وسيتم إطلاق حملة لمكافحة التسول في دمشق ثم ستنتقل إلى المحافظات. وتهدف الحملة إلى الحد من ظاهرة التسول من خلال توفير الرعاية والتأهيل الأسري والاجتماعي، كبديل عن الاقتصار على الملاحقة القانونية.

وفي 17 تموز الماضي، ناقشت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، هند قبوات، مع ممثلين عن عدد من الوزارات المعنية ظاهرة التسول وكيفية التعامل معها عبر وضع خطة وطنية تضمن معالجتها. وركز النقاش على دور تشغيل المتسولين والمشردين، وأهمية تعديل القوانين الخاصة، وتوفير الاعتمادات لإنشاء دور إضافية في المحافظات، وتأهيل وترميم المراكز الخاصة، وإعداد حملة إعلامية للتوعية بخطورة الظاهرة، والعمل على توفير فرص عمل للمتسولين عبر مشاريع صغيرة أو تدريب مهني بالشراكة مع القطاع الخاص.

نفذت محافظة حلب حملة للتصدي للتسول في 17 و18 من آب الماضي، بإشراف لجنة من 30 عضوًا من المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني.

وفي 20 من شباط الماضي، أصدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تقريرًا، قدّر فيه أن سوريا بحاجة إلى أكثر من 50 عامًا على الأقل، لاستعادة المستويات الاقتصادية للبلاد في مرحلة ما قبل الحرب في حال حققت نموًا قويًا. وبحسب التقرير، فإن معدل الفقر ارتفع من 33% قبل الحرب إلى 90% حاليًا، بينما بلغت نسبة الفقر المدقع 66%.

مشاركة المقال: