في شوارع دمشق المكتظة، تتمدد أيادٍ صغيرة طلباً للمساعدة، وتختبئ نظرات خلف نوافذ السيارات، متمنية الحصول على لقمة عيش أو تحقيق حلم. في هذا السياق، وفي ظل الحاجة الملحة، أطلقت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل حملة وطنية شاملة لمعالجة ظاهرة التسول، وذلك من خلال إعادة تأهيل مراكز الإيواء والرعاية في دمشق وريفها.
التقت صحيفة "الثورة" بالسيدة خزامى النجاد، مديرة مكتب مكافحة التسول في مديرية الشؤون الاجتماعية بدمشق، للحديث عن تجهيز المراكز الجديدة وخطة الحملة وآليات العمل الميداني.
مراكز تأهيل المتسولين
أكدت السيدة خزامى النجاد أن الهدف من تأهيل هذه المراكز يندرج ضمن الخطة الوطنية الشاملة للحد من ظاهرة التسول، مشيرة إلى أن دمشق وريفها افتقرتا خلال السنوات الماضية إلى مراكز كافية لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الحالات. وأضافت أنه يتم العمل ضمن الخطة على تأهيل ثلاثة مراكز رئيسية، اثنان في باب مصلى والثالث في الكسوة. المركز الأول مخصص للفتيات من عمر أربع سنوات حتى الثامنة عشرة بطاقة استيعابية تصل إلى نحو 130 حالة، فيما خُصص المركز الثاني للعائلات التي تضم الأمهات مع أطفالهن، أما مركز الكسوة فمخصص للذكور من الفئة العمرية نفسها وبطاقة تبلغ نحو 200 حالة.
آلية العمل
تم تجهيز المراكز الجديدة بشكل كامل، وستقدّم خدمات متكاملة تشمل الإقامة والرعاية الصحية والخدمات القانونية والتعليمية للأطفال المتسربين من المدارس، إضافة إلى برامج إدارة الحالة والدعم النفسي والاجتماعي. وأوضحت خزامى النجاد أنه سيتم العمل على معالجة وضع الأطفال مكتومي القيد، وتأهيل المتسولين الصغار عبر التعليم والتدريب المهني، ليصبحوا أفراداً فاعلين في المجتمع.
الحملة الوطنية
تستقبل المراكز الحالات عبر حملات ميدانية تُنفذ بالتنسيق بين أقسام الشرطة والمحامي العام ومكتب مكافحة التسول، كما يُمكن التبليغ عن أي حالة عبر الرقم 108 أو مديرية الشؤون في دمشق. وأشارت إلى أنه بعد التبليغ، تُحال الحالات إلى المحامي العام لاستكمال الإجراءات القانونية، ثم تُجرى الفحوص الطبية في الطب الشرعي قبل إدخال الطفل إلى المركز، حيث يُقيَّم وضعه الاجتماعي والنفسي وتُحدَّد الفئة العمرية المناسبة له.
يتم تقسيم الأطفال إلى مجموعات بحسب الأعمار، بينما يتابع الأطباء المقيمون حالتهم الصحية بانتظام. ويشرف على المركز مدير عام وفريق من الاختصاصيين الاجتماعيين ومديري الحالة، إضافة إلى مقدّمي رعاية يعملون بنظام المناوبات لمتابعة تفاصيل الحياة اليومية للأطفال.
إعادة التأهيل
من الناحية التعليمية والمهنية، تُقدَّم للأطفال تدريبات متنوعة تناسب أعمارهم مثل الخياطة والحلاقة، وفي مركز الكسوة يجري التحضير لاستثمار الأراضي الواسعة في أنشطة زراعية إنتاجية. ولا يقتصر العمل على الطفل فحسب، بل يمتد ليشمل أسرته، إذ تُدرَس حالة العائلة ويُقدَّم لها الدعم الاجتماعي أو الاقتصادي عند الحاجة، بهدف معالجة الأسباب الجذرية للظاهرة.
وأوضحت خزامى النجاد أن فترة الإقامة في المراكز تتراوح بين ستة أشهر وسنتين، يتم خلالها العمل على إعادة تأهيل المستفيدين وتمكينهم مهنياً واجتماعياً ليصبحوا قادرين على الاندماج في المجتمع. فمن يغادر المركز بعد بلوغه الثامنة عشرة، يكون قد اكتسب مهنة أو مهارة تمكّنه من العمل.
يشارك في هذا المشروع عدد من الجهات، أبرزها اللجنة الوطنية لمعالجة ظاهرة التسوّل، ومحافظتا دمشق وريف دمشق اللتان تتوليان تمويل المراكز وتأمين احتياجاتها من اللباس والغذاء، في حين تساهم الجمعيات الأهلية والمنظمات غير الحكومية في دعم الأنشطة ورفد الكوادر العاملة.
وبذلك يشكّل مركز باب مصلى خطوة عملية في مسار طويل لمعالجة واحدة من أكثر الظواهر الاجتماعية تعقيداً، محاولاً الانتقال من الحلول المؤقتة إلى رعاية وتأهيل حقيقيين يعيدان الأمل والحياة الطبيعية لمن كانوا يوماً على أرصفة التسول.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الثورة