الأربعاء, 29 أكتوبر 2025 02:00 PM

قاليباف ينتقد روحاني وظريف بشدة.. وخلافة خامنئي تشعل صراعاً إيرانياً روسياً

قاليباف ينتقد روحاني وظريف بشدة.. وخلافة خامنئي تشعل صراعاً إيرانياً روسياً

أثار انتقاد رئيس مجلس الشورى الإسلامي في إيران، محمد باقر قاليباف، لمواقف الرئيس السابق حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، والتي وصفها بأنها "معادية لروسيا"، ردود فعل واسعة في الأوساط السياسية والإعلامية الإيرانية.

في جلسة علنية للمجلس، الأحد 26 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، وجه قاليباف انتقادات لاذعة لروحاني، الذي تولى رئاسة الجمهورية بين عامي 2013 و2021، ولظريف، الذي شغل منصب وزير الخارجية خلال الفترة نفسها، متهماً إياهما بأن مواقفهما ألحقت ضرراً بالعلاقات الاستراتيجية المتنامية بين طهران وموسكو. وأكد قاليباف أن "من الخطأ التضحية بالإنجازات الوطنية التي تحققت بدعم الصين وروسيا لصالح المصالح الفئوية"، في إشارة إلى الدور الذي لعبته بكين وموسكو في معارضة عودة العقوبات الأممية على طهران بعد انتهاء الفترة العشرية للاتفاق النووي، وإلى التصريحات الأخيرة لكل من روحاني وظريف التي انتقدت موقفي روسيا والصين.

جذور الخلاف: انتقد روحاني، في تصريحات علنية، روسيا والصين لمشاركتهما في التصويت على قرارات أممية فرضت عقوبات على إيران، قائلاً إن "روسيا والصين صوتتا لصالح ستة قرارات أممية ضد إيران بين عامي 2006 و2010". أما ظريف فاتهم نظيره الروسي سيرغي لافروف، الذي يتولى وزارة الخارجية منذ عام 2004، بعرقلة مسار التوصل إلى الاتفاق النووي، معتبراً أن لموسكو "خطين أحمرين تجاه طهران: الأول أن لا تكون لإيران علاقات هادئة مع العالم، والثاني أن لا تدخل في مواجهة مباشرة معه".

أثارت هذه التصريحات غضب قاليباف، الذي اعتبرها مضرة بمصالح إيران الاستراتيجية مع روسيا. لكن ردود الفعل على موقفه انقسمت داخل المشهد الإيراني بين من رأى فيه مؤشراً إلى اتساع نفوذ موسكو داخل مفاصل الحكم، بحيث أصبح انتقادها محرماً حتى على المسؤولين السابقين، وبين من اعتبر أن قاليباف يستغل الموضوع الروسي لتصفية حسابات سياسية تتعلق بصراعات السلطة وخلافة القيادة في البلاد.

إيران تحت الوصاية الروسية؟ كتب الصحافي الإيراني البارز أحمد زيد آبادي، المعروف بانتقاداته للسياسة الخارجية الإيرانية، تعليقاً لاذعاً: "كيف يمكن لشخصين لا يشغلان أي منصب رسمي أن يلحقا بتصريحاتهما ضرراً بالتعاون الاستراتيجي بين طهران وموسكو؟ في أي بلد في العالم لا تعد ملاحظات المسؤولين السابقين مؤثرة على العلاقات الرسمية بين الحكومات!". وأضاف متسائلاً: "هل يشترط الروس صمت الإيرانيين تجاه سياسات الكرملين مقابل استمرار التعاون مع الجمهورية الإسلامية؟ إذا كان الأمر كذلك، فهذا يعني علاقة غير متكافئة، مهينة، بل تحمل طابعاً استعمارياً واضحاً".

بالتوازي، زعمت وسائل إعلام معارضة في الخارج أن روسيا، التي وعدت إيران بتزويدها بأنظمة دفاع جوي متطورة، طلبت من طهران كبح الانتقادات الموجهة لسياسات موسكو في وسائل الإعلام المحلية. أما موقع "عصر إيران"، المعروف باعتداله وشعبيته، فقد نشر مقالاً انتقد فيه تصريحات قاليباف، متسائلاً: "هل انزعج المسؤولون الروس فعلاً من انتقادات روحاني وظريف؟ وهل لجأوا إلى قاليباف لنقل شكواهم؟ إن صح ذلك، فهو أمر مؤسف للغاية". وأضاف الموقع بلهجة لاذعة: "هل يعتقد المسؤولون الروس أن إيران مثل بعض الدول في المنطقة، مغلقة تماماً؟ هل يعتقدون أن إيران هي سوريا بشار الأسد حيث لا يوجد أي انتقاد أو موقف مختلف؟ في سوريا الأسد، كانت روسيا من المقدسات، ولا يمكن لأحد في أي منصب حالي أو سابق إلا أن يثني عليها. فهل يريد الكرملين أن تعامل موسكو بالطريقة نفسها داخل إيران مقابل دعمها في مجلس الأمن؟".

من جانبه، كتب عبدالله رمضان زاده، الناطق السابق باسم حكومة الرئيس محمد خاتمي (1997-2005)، في منشور عبر منصة "إكس"، مهاجماً قاليباف بشكل غير مباشر، واصفاً إياه بأنه "روسيّ الهوى"، في إشارة إلى مواقفه المفرطة في تأييد موسكو، قائلاً إن البعض في النظام بات يعتقد أن انتقاد روسيا يعد "خطيئة سياسية". كذلك، تداول مستخدمون على وسائل التواصل الاجتماعي مشاهد من المسلسل التاريخي الإيراني "أمير كبير"، الذي يتناول مرحلة القاجار، حين كان بعض مسؤولي البلاط يتوددون إلى روسيا وبريطانيا، واعتبروا أن اعتماد المسؤولين المعاصرين على الشرق لا يقل خطورة عن الارتهان للغرب، وأن كلا الاتجاهين يتعارض مع مبدأ الاستقلال الوطني الذي طالما تباهت به الجمهورية الإسلامية.

ما وراء الأزمة: الصراع على خلافة القيادة يرى محللون أن تصريحات قاليباف تتجاوز حدود العلاقة مع روسيا، لتكشف عن عمق الصراع داخل النظام حول مستقبل السلطة بعد المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي يتولى القيادة منذ عام 1989. ففي أعقاب مداخلة قاليباف، شن نواب متشددون في المجلس، من بينهم النائب الشاب والراديكالي عن طهران أمير حسين ثابتي، هجوماً حاداً على روحاني، مطالبين بمحاكمته وسجنه، في مشهد عكس احتدام المنافسة بين أجنحة السلطة.

وكتب المحلل السياسي حميد آصفي تعليقاً لافتاً، قال فيه: "ما يبدو كجدال برلماني هو في الحقيقة مقدمة لمعركة حول خلافة القيادة الثالثة في إيران. فالصراع لا يتعلق بالسياسة الخارجية أو بالموقف من روسيا، بل بهوية النظام في المرحلة المقبلة". وأضاف آصفي أن قاليباف يسعى من خلال هذا الخطاب إلى ترسيخ صورته كـ"رجل النظام المقبل"، فهو شخصية تجمع ما بين خلفية الحرس الثوري وخبرة الإدارة المدنية، ويقدم نفسه كخيار وسطي بين العسكريين ورجال الدين. وبحسب آصفي، فإن اختيار روحاني كهدف رئيسي لهجمات المتشددين لم يكن اعتباطياً، إذ لا يزال الأخير يعد لدى بعض دوائر الحكم رمزاً للعقلانية والبراغماتية السياسية والانفتاح على الغرب. ولذلك، فإن استهدافه يشكل رسالة تحذيرية لكل من يتحدث عن التفاهم أو الحوار أو الواقعية السياسية.

ويختم آصفي تحليله بالقول إن "الهجوم على روحاني هو في جوهره خطوة استباقية لتطهير الطريق أمام الجناح الموالي للعسكر والحرس الثوري استعداداً لمرحلة ما بعد القائد، حيث يسعى كل تيار إلى تثبيت موقعه في بنية السلطة المقبلة".

مشاركة المقال: