تبدأ سوريا خطوات جادة لإعادة بناء سلاسل الإنتاج الزراعي والصناعي التي عانت بشدة خلال السنوات الأخيرة، وذلك بهدف تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاكتفاء الذاتي.
يشير الخبراء إلى أن هذه السلاسل تمثل أساس الاقتصاد المنتج، حيث تربط بين توفير المواد الأولية، والتصنيع، والتوزيع، وصولًا إلى البيع المحلي أو التصدير. وأي خلل في هذه الحلقات يؤثر بشكل مباشر على الناتج المحلي الإجمالي.
قبل عام 2011، تمتعت سوريا بمنظومة إنتاجية متكاملة نسبيًا، تغطي القطاعات الزراعية والصناعية والغذائية، مما ساهم في دعم الناتج المحلي الذي بلغ حينها حوالي 60.2 مليار دولار. ولكن، بعد الثورة السورية، أدت العقوبات والصراعات الداخلية إلى انكماش الاقتصاد بنسبة 20%، وارتفاع التضخم إلى 40%، وفقدان الليرة السورية 51% من قيمتها، مما أدى إلى تراجع الناتج المحلي إلى 11.9 مليار دولار بحلول عام 2016، أي أقل من 40% من مستواه قبل الثورة.
أوضح الخبير الاقتصادي الدكتور فادي عياش أن استقرار الإنتاج الزراعي يعتمد على الزراعات التعاقدية، التي تضمن استمرارية العملية الإنتاجية وتخفف المخاطر. وأضاف أن الصناعات الزراعية التصديرية تعتبر مكملًا ضروريًا للزراعات التعاقدية، حيث تعزز القيمة المضافة وتحسن قدرة المنتجات على التصدير، مما يرفع الناتج المحلي ويعزز الاقتصاد.
أكد الخبير الزراعي أكرم عفيف أن انهيار القطاع الزراعي كان نتيجة للإدارة الفاسدة للموارد وانقطاع سلاسل الإنتاج، مما أدى إلى فقدان الاستمرارية وتقلب الأسعار بشكل كبير. كما تحولت بعض المناطق من منتجة إلى مستهلكة بسبب التكاليف العالية وغياب التمويل. في المقابل، ملأ الاقتصاد غير الرسمي الفراغ الإنتاجي، لكنه لم يتمكن من تحقيق التوازن الاقتصادي الكامل.
أشار عفيف إلى أن إعادة بناء هذه المنظومة يتطلب إصلاح البنية التحتية، وتحديث التشريعات، ومكافحة الفساد، وإنشاء غرفة إنعاش اقتصادي تنموي لدراسة الواقع واقتراح حلول عملية لإعادة إقلاع الإنتاج، مع التركيز على ضمان استقرار الأسعار وربح المنتج المحلي، وربطه بسلاسل القيمة المضافة من الزراعة حتى الصناعات التصديرية.
وخلص الخبير إلى أن تحقيق استقرار الإنتاج مرتبط باستقرار الأسعار، وأن تحقيق تنمية مستدامة يتطلب نموذجًا جديدًا قائمًا على الشفافية والتخطيط العلمي والتمويل المستدام، مما سيعيد لسوريا مكانتها كاقتصاد منتج وقادر على المنافسة إقليميًا ودوليًا.