السبت, 1 نوفمبر 2025 08:36 PM

تحليلات غربية لخطة ترامب: هل يتكرر سيناريو العراق في غزة؟

تحليلات غربية لخطة ترامب: هل يتكرر سيناريو العراق في غزة؟

ريم هاني:

استقبل المحللون الغربيون بإستهزاء إعلان دونالد ترامب عن «ولادة فجر الشرق الأوسط الجديد» عقب التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة. فبينما يرى البعض أن إسرائيل، وبدعم من الولايات المتحدة، تسعى إلى «سلام» دائم في المنطقة، أو أنها ستلتزم بوقف إطلاق النار وتتخلى عن تبعات عامين من الإبادة، يتبنى مراقبون غربيون كثر وجهة نظر مختلفة.

يعتبر هؤلاء المراقبون أن حديث ترامب عن شرق أوسط «جديد» هو تجاهل للتاريخ والحاضر، وقد يؤدي إلى ردود فعل انتقامية عكسية بدلاً من تحقيق «السلام» المنشود.

يشير تقرير في مجلة «فورين بوليسي» إلى أنه بعد عامين من الإبادة، ترى دول الشرق الأوسط أن إسرائيل هي التهديد الرئيسي المشترك، حيث تحاول، من خلال حربها على غزة وسياساتها العسكرية التوسعية، إعادة تشكيل المنطقة «على مقاس طموحاتها الاستراتيجية» بطرق غير متوقعة.

نتيجة لذلك، تعتبر دول كانت تنظر إلى إسرائيل كشريك محتمل، بما في ذلك دول الخليج، أن تل أبيب تحولت إلى «طرف خطير لا يمكن التنبؤ بتصرفاته». وبينما أعلن ترامب وبنيامين نتنياهو عن «خطة سلامهما» الجديدة واحتفلا بها كإنجاز كبير، تبدو فرص نجاحها ضعيفة، طالما استمرت إسرائيل في سلوكها العدواني وتجاهلت مطالب ومخاوف الفلسطينيين.

على الرغم من ترحيب بعض قادة المنطقة بالإعلان، تبدو الخطة غير قادرة على «إصلاح الضرر» الذي خلفته الحرب. فقبل هجمات أكتوبر 2023، كانت إسرائيل، بدعم أميركي قوي، تأمل في إعادة تشكيل المنطقة لصالحها، متجاهلة خصومها، وعلى رأسهم إيران. أما اليوم، فقد عزلت نفسها، وجعلت الدول العربية تتردد في تحمل الكلفة السياسية والضرر الذي سيلحق بسمعتها في حال تعاونت معها.

لا يعتبر هذا الأمر «خبراً سيئاً» لإسرائيل فقط، بل أيضاً للولايات المتحدة، حيث قوض الدعم الأميركي غير المحدود لإسرائيل مكانة واشنطن في المنطقة. فبعدما كان التهديد الإيراني يدفع دول المنطقة إلى التقرب من الخط الأميركي، تدفع صورة إسرائيل العدوانية هذه الدول إلى الابتعاد عن الولايات المتحدة، ويتعين على واشنطن أن تدرك التغيرات الجارية في الشرق الأوسط.

إذا رفضت الولايات المتحدة كبح جماح إسرائيل ولم تسعَ إلى حل سياسي عادل للقضية الفلسطينية، فإنها تخاطر بإضعاف علاقاتها مع شركاء إقليميين أساسيين وفقدان نفوذها في المنطقة. كما أن تجاهل المسألة الفلسطينية والسماح لإسرائيل بالتصرف بعدوانية سيؤججان «موجة جديدة من التطرف» تهدد المصالح الأميركية واستقرار المنطقة والأمن العالمي.

أثارت الممارسات الإسرائيلية غضباً عارماً في العالم العربي، وأصبح أي شكل من أشكال الانحياز لإسرائيل تهديداً لشرعية الأنظمة وأمنها. ووفقاً لتحليل استطلاعات رأي أجرتها مجموعة «الباروميتر العربي»، فإن الدعم الشعبي للتطبيع مع إسرائيل ما يزال منخفضاً جداً في المنطقة.

تُسرّع سياسة الغطرسة الإسرائيلية وتيرة العسكرة وتنويع الاستراتيجيات الدفاعية في المنطقة. فقد وسعت السعودية تعاونها مع الصين في مجال الصواريخ والطائرات المسيّرة، وتسعى إلى زيادة توطين الإنتاج الدفاعي. كما وقعت اتفاقية تعاون دفاعي مع باكستان، وأعربت عن رغبتها في شراكات أمنية بديلة وبناء علاقات مع «قوى إسلامية شقيقة» خارج إطار الهيكل الأمني الذي تقوده الولايات المتحدة.

من جانبها، كشفت تركيا عن نظام الدفاع الجوي المتكامل «القبة الفولاذية»، ما يشير إلى تحول عقائدي، حيث يشعر صناع القرار الأتراك بأنهم ملزمون بقياس قدراتهم مقابل قدرات إسرائيل. هذا بالإضافة إلى الأضرار التي لحقت باتفاقيات «أبراهام»، والممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، وقمة النقب، وتحالف «I2U2». وبعدما افترض المسؤولون الأميركيون والإسرائيليون أن التطبيع مع إسرائيل مسألة حتمية، بدأت هذه الرؤية تنهار، بعدما جعلت السياسات الإسرائيلية ملف التطبيع «قضية حساسة»، بل وحتى «تهديداً داخلياً واستراتيجياً للقادة العرب وحكوماتهم».

تسيطر النظرة «التشاؤمية» على التحليلات المحيطة بخطة ترامب، ومدى قدرتها على إحداث تغيير فعلي، في وقت لم تخفِ كل من إسرائيل والولايات المتحدة نيتهما احتلال الأراضي الفلسطينية، وإن كانت واشنطن تحاول الإيحاء بأن ضم الأراضي الفلسطينية ليس ضمن «أجندتها».

أفادت مجلة «فورين بوليسي» بأن خطة ترامب لإنهاء الحرب في غزة تفتقر إلى خارطة طريق واقعية لتحقيق أي تقدم فعلي، ولا سيما أن نتنياهو بدأ بوضع قيود على إدخال المساعدات حتى قبل أن تبدأ بالتدفق. يضاف إلى ذلك أن الاتفاق نفسه غامض ويعتمد على افتراضات «بطولية» غير واقعية مرتبطة بعدة أطراف إقليمية.

لا يعني ما تقدم أن الحرب ستعود على نطاقها الأوسع، حيث يبدو أن «الحد الأدنى» من الاتفاق سيطبق، بعدما «أصبحت جميع الأطراف مقتنعة بأنها حققت أقصى ما يمكن تحقيقه من الحرب». يزيد الهدف الإسرائيلي المتمثل في القضاء على «حماس» واستبعادها من إدارة غزة بعد الحرب الوضع تعقيداً، في وقت لا تبدي الحركة أي نية في نزع سلاحها وتعيد فرض سيطرتها على القطاع، «مستهدفة الفصائل المدعومة من إسرائيل» التي تحاول ملء الفراغ.

لا توجد خطة واضحة لمن سينفذ نزع سلاح «حماس» أو يحل محلها في حفظ الأمن، وتشير تجربة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية إلى أن إسرائيل سترفض أي قوة شرطة فلسطينية مسلحة، ومن غير المرجح أن تكون قوات حفظ السلام الدولية أو العربية فعالة من دون تعاون من جانب «حماس»، كما أن إسرائيل لن تثق بها لتلبية متطلباتها الأمنية.

في المستقبل، من المرجح أن يصبح استهداف «حماس» ذريعةً لا سبباً، في وقت لا يخفي المستوطنون اليمينيون الذين يهيمنون على الحكومة الإسرائيلية الحالية طموحاتهم المستمرة حول ضم غزة والضفة الغربية، ومن المتوقع أن يستغلوا كل فرصة لضمان فشل وقف إطلاق النار.

ليست الإخفاقات الإسرائيلية – الفلسطينية السابقة هي التي تخيم على وقف إطلاق النار الحالي فحسب، بل ما يحصل في غزة يشبه بشكل مثير للقلق أخطاء الاحتلال الأميركي للعراق. فغياب الأمن والنظام سيجعل تأسيس حكم فعال أو بناء شرعية سياسية مستحيلَين. كما أن أي محاولة لنزع سلاح «حماس» بالقوة قد تأتي بنتائج عكسية، فيما سيضع استمرار سيطرة الحركة أي إدارة جديدة «تحت رحمتها».

في حال تم إنشاء وصاية دولية على غزة، فإنها، كما حدث مع إدارة الاحتلال الأميركي في العراق، لن تمتلك السلطة الحقيقية ولا الشرعية لدى الفلسطينيين الذين يطمحون إلى إقامة دولتهم، وليس إلى «وصاية دولية». وبدلاً من أن تتحول غزة إلى «مدينة حديثة ومزدهرة» كما يُروَّج، فإن السيناريو الأقرب هو استمرار العنف المنخفض الوتيرة وانهيار اقتصادي وفشل في الحكم و«تصاعد التمرد».

فيما تأمل إسرائيل في أن يؤدي وقف إطلاق النار إلى إنهاء عزلتها الدولية والتخفيف من الغضب العالمي تجاه الدمار الذي ألحقته في غزة، إلا أن هذه الآمال لا تزال «مبكرة وغير واقعية»، نظراً إلى أن صورتها لن تتغير من دون تحوّل حقيقي نحو «التعايش السلمي مع الفلسطينيين»، وهو ما لا يحدث حالياً، مشيرين إلى أن «ما يجري في غزة أحدث تحولاً عميقاً في نظرة العالم إلى إسرائيل، وهو تحول يشبه تأثير غزو العراق على صورة الولايات المتحدة، ولن تُبطله هدنة مؤقتة».

مشاركة المقال: