تحليل "ميدل إيست آي": هل يقود التدخل الإسرائيلي "العدواني" في سوريا إلى استنزاف تل أبيب وسقوطها؟


كتب ديفيد هيرست، المؤسس المشارك ورئيس تحرير موقع "ميدل إيست آي"، تحليلاً يشير إلى أن تل أبيب غرقت في صراع متعدد الجبهات بعد عام من سقوط نظام الأسد، نتيجة لاستراتيجيتها الإقليمية العدوانية المتزايدة. ذكّر هيرست بتطمينات أحمد الشرع عند وصوله إلى السلطة، التي أكد فيها أن إدارته لن تشكل تهديداً لإسرائيل. وأشار في مقاله إلى تغير المزاج السوري تجاه إسرائيل، خاصة بعد التصعيدات الإسرائيلية في الداخل السوري.
يوضح هيرست أن إسرائيل كان أمامها خياران بوصول الشرع: إما تبني تغيير النظام وتكوين حليف جديد في سوريا، خاصة لو عرضت مساعدة الشرع في واشنطن. وأضاف أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان قد سهّل سابقاً وصول محمد بن سلمان إلى البيت الأبيض، مما مكّنه من انتزاع ولاية العهد السعودي، وكان من الممكن اتباع الاستراتيجية نفسها مع الشرع في سوريا. لكن بدلاً من ذلك، شنت إسرائيل قصفاً مكثفاً دمر سلاح الجو السوري وأغرق أسطوله ودمر رادارات دفاعه الجوي في غضون أيام قليلة.
بعد القصف، بدأت القوات الإسرائيلية توغلاً برياً في جنوب سوريا، بهدف الاستيلاء على جبل الشيخ أولاً، ثم توسعت لاحقاً لتشمل السيطرة على منطقة أكبر من غزة. دافع وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس عن هذه التوغلات ووصفها بأنها "ضرورية لحماية مستوطنات الجولان والجليل من التهديدات"، مستشهداً بهجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 كدافع رئيسي. لكن الكاتب يرى أن هذه المبررات للاستهلاك الإعلامي فقط، مشيراً إلى خطط إسرائيل لإضعاف سوريا بشكل دائم عبر تقسيمها إلى مقاطعات وتحويلها إلى نسخة من ليبيا.
ويزعم هيرست أن سرعة انهيار نظام الأسد في كانون الأول/ديسمبر الماضي فاجأت الحلفاء والخصوم، وأحبطت خطط تل أبيب لإقامة علاقات عسكرية واستراتيجية مع الأكراد في الشمال والدروز في الجنوب، بهدف إضعاف الأسد ووضعه تحت سيطرة الإمارات. وكان من شأن هذه الخطة أن تخدم أربعة أهداف: قطع خطوط إمداد الأسلحة الإيرانية لحزب الله، وإضعاف سوريا بشكل دائم، وعزل تركيا عن شمال سوريا، وإنشاء ممر جوي فوق جنوب سوريا وشمال العراق لتمكين إسرائيل من قصف إيران بانتظام.
وكان وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، قد ألمح إلى هذه الخطة قبل شهر من سقوط الأسد، مصرحاً بأن إسرائيل بحاجة للتواصل مع الأكراد والدروز في سوريا ولبنان، مشيراً إلى إمكانية إقامة تحالفات طبيعية مع أقليات أخرى في المنطقة. وأشار الكاتب إلى أن استخدام ورقة الدروز كان وسيلة لإخفاء سعي إسرائيل للهيمنة الإقليمية. فبعد أسابيع من تولي الشرع الحكم، صرّح الشيخ حكمت الهجري، زعيم الدروز، لموقع "ميدل إيست آي" برفضه وقلقه من الغزو الإسرائيلي، مشيراً إلى إيجابية التواصل مع السلطات الجديدة في دمشق.
لكن في صيف هذا العام، وبعد اشتباكات طائفية بين مقاتلين دروز وبدو أسفرت عن مقتل أكثر من 500 شخص، غيّر الهجري موقفه، ودفع بأجندة انفصالية صريحة، مطلقاً على السويداء اسمها العبري "جبل باشان"، ومطالباً بتدخل الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية.
قوبل احتلال إسرائيل لجنوب سوريا وغاراتها الجوية - التي قصفت سوريا أكثر من 600 مرة منذ وصول الشرع - بتقاعس تام من دمشق وأنقرة. وتركز الصراع بين تركيا وإسرائيل حول السيطرة على المجال الجوي السوري في قاعدتي T4 الجوية ومطار تدمر العسكري، اللذين قصفتهما إسرائيل مراراً لمنع أنقرة من نشر أنظمة دفاع جوي. ورغم تحرك تركيا للسيطرة على قاعدة T4 كجزء من اتفاقية دفاعية مع دمشق، لم يُحرز تقدم، وبدأت أنقرة بدلاً من ذلك محادثات لفض الاشتباك مع تل أبيب، والتي وصلت إلى طريق مسدود.
ورغم إصدار النيابة العامة في إسطنبول 37 مذكرة توقيف بحق مسؤولين إسرائيليين - من بينهم نتنياهو، وكاتس، ووزير الأمن القومي إيتامار بن غفير - بتهم الإبادة الجماعية في غزة، اتسم الموقف العسكري التركي بحذر شديد، مما سمح لإسرائيل بملء الفراغ. ولفت هيرست إلى أن أول رد فعل للشرع على التهديد الإسرائيلي كان عبر التوجه إلى السعودية، حيث وردّ محمد بن سلمان بأنه لن يخسر سوريا مرة أخرى.
نوّه هيرست إلى أن آراء ترامب بشأن سوريا، وآراء مبعوثه توم باراك، مؤيدة بشدة للشرع، حيث ضغط ترامب لرفع عقوبات قيصر، مشيداً بجهود الحكومة السورية "لبناء دولة حقيقية ومزدهرة". وخضع دعم ترامب للشرع لاختبار حقيقي عندما قُتل جنديان أمريكيان ومترجم مدني في هجوم لتنظيم "داعش" في وسط سوريا. ورغم غضبه، لم ينقلب ترامب على الشرع، بل تعهّد برد قاس ضد "داعش"، وليس ضد دمشق.
وفي المقابل، تشعر إسرائيل بإحباط متزايد من ترامب دبلوماسياً. وقد عرض المقدم أميت ياغور مؤخراً مؤشراً على التفكير العسكري الإسرائيلي، حيث كتب في صحيفة "معاريف" أن باراك لا يُمكن الوثوق به لأنه متأثر بتركيا. وزعم ياغور أن سوريا "ليست دولة تاريخية" بل "مجموعة من الطوائف اجتمعت لخدمة مصالح الانتداب الفرنسي"، وأن الشرع هو عملياً "عمدة دمشق وضواحيها". وذكر ياغور أن لإسرائيل أربعة مصالح رئيسية: ضمان توقف سوريا عن العمل كوكيل لتركيا، ومنع "ميليشيات الشرع الجهادية" من الوصول إلى الحدود الإسرائيلية، ومنع وقوع مجزرة أخرى بحق الطائفة الدرزية، ووقف تحويل سوريا "إلى دولة إسلامية تحكمها الشريعة الإسلامية".
صعّد الشرع من حدة خطابه في منتدى الدوحة هذا العام، مصرحاً بأن إسرائيل تصدّر الأزمات لصرف الأنظار عن مجازرها في غزة، لكنه "لا يزال يعتمد على ترامب للتوسط في انسحاب إسرائيلي". في المقابل، تعهّد نتنياهو بعدم الانسحاب من جنوب سوريا، ووصف الحروب التي شنّها بأنها "لا تنتهي"، مشبهاً إياها بمرض السرطان الذي قد يعود، لكن إن لم يُستأصل فسيموت المريض.
واختتم هيرست تحليله بالقول إن هذا التشبيه مؤسف، فكما يعلم أي طبيب، قد يعود السرطان لأن الخلايا تزداد قوة ومقاومة، بينما يضعف المريض، وقد يؤدي العلاج نفسه إلى وفاة المريض. وأكد هيرست أن نتنياهو بهذا التشبيه يقر بأن إسرائيل لن تنتصر في هذا الصراع أبداً بل ستستسلم له في نهاية المطاف. وشدد على أن القوات العسكرية الإسرائيلية، باعتقادها أنها هزمت حزب الله وإيران وحماس، وبسيطرتها على جنوب لبنان وجنوب سوريا، على وشك استنزاف مواردها إذا استمرت هذه الجبهات في العمل بشكل دائم. وأكد هيرست أن سوريا قد تُثبت أنها نقطة تحول في طموحات إسرائيل العسكرية العدوانية المتزايدة، وقد تتحقق نبوءة نتنياهو، وعندها سيخرج الوضع عن سيطرته.
سياسة دولي
سياسة دولي
سياسة دولي
سياسة سوريا