الأحد, 2 نوفمبر 2025 09:15 PM

انتعاش التجارة في دير الزور: معبر البوكمال يفتح آفاقًا اقتصادية جديدة

انتعاش التجارة في دير الزور: معبر البوكمال يفتح آفاقًا اقتصادية جديدة

دير الزور – مروان المضحي: يشهد معبر "البوكمال" الواقع في ريف دير الزور الشرقي على الحدود السورية-العراقية، انتعاشًا ملحوظًا في الحركة التجارية وإقبالًا متزايدًا من التجار. يعكس هذا التطور تحولًا اقتصاديًا هامًا في المنطقة، بعد سنوات من الاعتماد على طرق بديلة وأكثر تكلفة.

تعتبر عودة هذا المعبر الحيوي خطوة مهمة نحو تعافي الأسواق المحلية وتوفير فرص عمل طال انتظارها لأبناء المنطقة، متجاوزة بذلك تعقيدات الإجراءات الجمركية السابقة. وكانت هيئة المعابر والمنافذ البرية والبحرية السورية قد أعلنت في 12 من حزيران الماضي عن إعادة افتتاح معبر "البوكمال" الحدودي مع العراق.

نهاية زمن "الترسيم المزدوج"

أثقلت التحديات الاقتصادية كاهل التجار في المنطقة، خاصة فيما يتعلق باستيراد البضائع. ومع توقف الحركة على معبر "البوكمال" لأسباب مختلفة، اضطر التجار إلى الاعتماد على معبر "سيمالكا" الحدودي في الشمال الشرقي، مما فرض عليهم أعباء مالية مضاعفة وغير مستدامة، بحسب ما أفاد به تجار لـ عنب بلدي.

أحمد العصب، وهو سائق شاحنة، ذكر لـ عنب بلدي أن التجار كانوا يضطرون لدفع رسوم "ترسيم" مرتين على البضائع المستوردة؛ مرة لـ "الإدارة الذاتية"، الذراع الحوكمية لـ "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) التي تسيطر على شمال شرقي سوريا، ومرة أخرى للحكومة السورية التي تسيطر على الجانب الآخر من مناطق التماس.

كان تحصيل الرسوم من الجانبين يؤدي مباشرة إلى ارتفاع تكلفة البضاعة النهائية على المستهلكين، وتقلص الأرباح، مما أضعف قدرة السوق على المنافسة والنمو. ومع إعادة فتح معبر "البوكمال" وعودة انسيابية الحركة التجارية، تم تجاوز هذه العقبة بشكل كبير، وفقًا لما ذكره السائق.

أصبح التجار الآن قادرين على جلب بضائعهم مباشرة، مما يجنبهم دفع الرسوم المزدوجة ويوفر عليهم جزءًا من التكاليف اللوجستية والمالية. هذا التوفير سينعكس إيجابًا على الأسواق، ومن شأنه أن يؤدي إلى استقرار أو انخفاض في أسعار بعض السلع الأساسية، بحسب ما يراه السائق.

إقبال وحركة جيدة

الإقبال التجاري لا يقتصر على مجرد استئناف الروتين، بل هو تدفق يعكس "تعطش" السوق المحلية لهذه العودة، وفقًا لمدير العلاقات في المعبر، عمار الدليمي. وأكد أن هذه الحركة النشطة تشير إلى أبعاد أوسع لهذه العودة.

قال الدليمي لـ عنب بلدي إن المنطقة بدأت فعليًا بالتعافي من إرث النظام السابق وتداعيات السنوات الماضية. وأضاف أن المعبر سيلعب دورًا محوريًا في تنشيط حركة الأسواق، معتبرًا في الوقت ذاته أن التعافي ليس اقتصاديًا فحسب، بل هو اجتماعي أيضًا.

وشرح ذلك بأن الحركة التجارية المتزايدة تخلق طلبًا مباشرًا على خدمات النقل والتخزين والعمالة.

شركات جديدة

شهد محيط المعبر والمدن القريبة منه ظهور عدد من الشركات الجديدة المتخصصة في تقديم الخدمات اللوجستية والجمركية، حيث افتتحت عدة شركات للتخليص الجمركي و"الترانزيت" (النقل بالعبور) أبوابها أمام التجار.

أحمد الزرزور، صاحب شركة تخليص جمركي، قال لـ عنب بلدي إن هذا التطور يدل على أن القطاع الخاص يستجيب بسرعة للاستقرار النسبي والحركة الاقتصادية الواعدة، مما يزيد من كفاءة العمليات ويقلل من زمن انتظار البضائع.

وأضاف أن هذه الشركات الجديدة لا توفر فقط السرعة في التخليص، بل هي بحد ذاتها مؤشر على بيئة استثمارية ناشئة، حتى لو كانت على نطاق ضيق في الوقت الحالي. وأشار إلى أنها توفر وظائف ذات طابع إداري وفني، وهي نوعية مختلفة من فرص العمل عما هو متوفر عادة في مناطق النزاع.

تنشيط للأسواق المحلية

يعد الأثر الاجتماعي الأكثر أهمية لعودة الحركة على المعبر عبر مساهمته في مكافحة البطالة، التي تعد من أخطر التحديات التي تواجه سكان دير الزور. وكان النشاط الاقتصادي قد توقف لسنوات طويلة، مما دفع بالعديد من الشباب للنزوح أو البحث عن مصادر دخل غير مستقرة، بحسب أهالٍ قابلتهم عنب بلدي.

أشار مدير العلاقات العامة في المعبر، الدليمي، إلى أن هذا التنشيط سيساعد على توفير فرص عمل كثيرة لأبناء المنطقة. وهذا لا يقتصر على وظائف التخليص الجمركي والسائقين والعمال، بل يتجاوز ذلك ليشمل قطاع النقل وزيادة الطلب على الشاحنات وسائقيها وورشات الصيانة والأسواق والمحال التجارية.

وقال إن انخفاض تكلفة البضائع يعني قدرة أكبر على بيعها، وبالتالي تنشيط حركة البيع والشراء في الأسواق الرئيسة بدير الزور وريفها.

تحتل سوريا موقعًا استراتيجيًا يجعلها ممرًا مهمًا بين آسيا وأوروبا ودول الخليج، وتاريخيًا كانت الطرق البرية السورية أساسية في حركة التجارة بين هذه الدول، وكانت حركة "الترانزيت" تدر إيرادات من الرسوم الجمركية ورسوم العبور على خزينة الدولة.

تخضع البضائع العابرة وفق هذا المصطلح لإجراءات جمركية خاصة تعرف باسم "الترانزيت الجمركي"، بينما لا يفرض عليها أي ضرائب أو رسوم داخلية باستثناء ذلك، كما تتطلب بنية تحتية مناسبة مثل الطرق السريعة والسكك الحديدية والمواني.

تبرز أهمية "الترانزيت" من الناحية الاقتصادية بأنها توفر دخلًا للدول الوسيطة عبر رسوم العبور، ولوجستيًا تقلل تكاليف النقل وتعزز الربط بين الأسواق الدولية، فيما تجعل الدولة الوسيطة لاعبًا محوريًا في التجارة الإقليمية والدولية، وهنا تبرز أهميتها من الناحية الجيوسياسية.

مشاركة المقال: