في خطوة تاريخية تعد الأولى من نوعها منذ استقلال سوريا عام 1946، يستعد الرئيس السوري أحمد الشرع لزيارة العاصمة الأميركية واشنطن خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني الجاري. هذه الزيارة توصف بأنها محورية في مسار الانفتاح السوري على الغرب، وذلك بعد سنوات من القطيعة والعقوبات.
أوضح وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، خلال مشاركته في منتدى حوار المنامة 2025، أن الرئيس الشرع سيجتمع بالرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض. وأشار إلى أن ملف إعادة إعمار سوريا سيكون على رأس جدول المباحثات، بالإضافة إلى ملفات اقتصادية وسياسية أخرى.
وأكد الشيباني أن "سوريا تريد علاقات متوازنة مع كل الدول، ولم يعد هناك مبرر لاستمرار العقوبات"، في إشارة واضحة إلى قانون "قيصر" الأميركي الذي فُرض عام 2019 لمعاقبة أركان النظام السوري السابق.
انفتاح اقتصادي وسياسي محتمل
تأتي هذه الزيارة المرتقبة في وقت تشهد فيه الساحة السورية حراكاً دبلوماسياً ملحوظاً، خاصة بعد لقاءات الرئيس الشرع مع الرئيس الأميركي في كل من الرياض ونيويورك خلال الأشهر القليلة الماضية. ويعتبر اللقاء الثالث في واشنطن فرصة لإعادة رسم خريطة العلاقات بين البلدين.
من المتوقع أن تتناول الزيارة إمكانية تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، وفتح المجال أمام الاستثمارات الغربية في مشاريع إعادة الإعمار، لا سيما في قطاعات الطاقة والبنية التحتية.
الانفتاح السوري على الغرب
وفي هذا السياق، يرى الدكتور عماد العلي، الباحث والمحاضر في جامعة برلين الحرة، أن زيارة الرئيس الشرع المرتقبة إلى واشنطن تكتسب أهمية استثنائية في مسار الانفتاح السوري على الغرب، تماماً كما كانت زيارته السابقة إلى ألمانيا. وأضاف العلي في حديث لمنصة سوريا 24 أن ألمانيا تعتبر الدولة الأوروبية الأولى اقتصادياً ولها تأثير كبير في الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى استضافتها لما يقرب من مليون لاجئ سوري، وهي ثاني أكبر مساهم في المساعدات الإنسانية لسوريا عالمياً بعد الولايات المتحدة.
وأشار الباحث إلى أن المرحلة المقبلة ستمثل تتويجاً للعلاقات الثنائية القائمة على التعاون والمصالح المشتركة، وأن ألمانيا قد تكون بوابة سوريا نحو دخول الاستثمارات الأوروبية الكبرى، خاصة في مجالات إعادة الإعمار والخدمات.
تغيير استراتيجي في التموضع السوري
من جهته، أوضح الصحفي السوري المقيم في واشنطن زيد مستو أن الزيارة تتجاوز البعد الدبلوماسي التقليدي، وقد تتوج بتوقيع اتفاق انضمام سوريا إلى التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة، وهو ما سيحمل انعكاسات سياسية واستراتيجية واسعة.
وقال مستو في حديث لمنصة سوريا 24 إن توقيع الاتفاق يعني انتقال سوريا ضمنياً إلى المحور الغربي في العالم، وعلى الرغم من أن الرئيس الشرع أكد في مناسبات عدة سعيه لأن تكون سوريا غير منتمية لأي من المعسكرين، إلا أن انضمام دمشق يعني تقاربها أكثر مع التحالف الغربي في مواجهة روسيا التي انتقدت التحالف الدولي ضد داعش.
وأضاف أن الانضمام يعني عزم سوريا على حل ملف الجهاديين والمقاتلين الأجانب داخل الجيش، وتجفيف مصادر تمويل داعش، ودعم الاستقرار في المناطق المحررة عبر إعادة الخدمات والبنى التحتية. وأشار مستو إلى أن التعاون الأميركي سيتوقف مع "قسد" ككيان مستقل، لتصبح جزءاً من الدولة السورية في مواجهة التنظيمات المتطرفة، وأن هذه الخطوة ستُستخدم من قبل البيت الأبيض للضغط على الكونغرس من أجل رفع قانون قيصر نهائياً.
انعكاسات إقليمية ودولية
من المحتمل أن يُضعف انخراط سوريا في التحالف الدولي المبررات الإسرائيلية الرافضة لأي اتفاق أمني مع دمشق، خاصة أن واشنطن تلعب حالياً دور الوسيط بين الطرفين. كما يُتوقع أن تسهم الزيارة في إعادة تموضع سوريا دولياً، وتحسين صورتها أمام المجتمع الدولي بعد سنوات من العزلة السياسية.
في الختام، تحمل زيارة الرئيس الشرع إلى واشنطن في طياتها أكثر من مجرد بروتوكول سياسي، فهي تُعد اختباراً حقيقياً لإمكانية عودة سوريا إلى الساحة الدولية شريكاً لا خصماً، وانطلاقة لمسار اقتصادي واستثماري جديد قد يعيد تشكيل ملامح الداخل السوري في السنوات المقبلة.