أرسلت السلطات الفرنسية استنابة قضائية إلى القضاء اللبناني تطالب بتعقب وتوقيف ثلاثة مسؤولين كبار من نظام الأسد السابق، في حال وجودهم على الأراضي اللبنانية. الاستنابة القضائية هي طلب رسمي من قاضٍ إلى جهة قضائية خارجية للتحقيق أو تنفيذ إجراءات قضائية نيابة عنه، وذلك وفقًا للاتفاقات الدولية المشتركة.
كشف مصدر قضائي لبناني لوسائل إعلام لبنانية، منها صحيفتا "المدن" و"الأنباء"، أن النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار تلقى برقية رسمية من القضاء الفرنسي تتضمن الاستنابة القضائية، وتطلب من لبنان تعقب شخصيات من النظام السابق، وتحديدًا: قائد المخابرات الجوية في النظام السابق اللواء جميل الحسن، ومدير مكتب الأمن القومي اللواء علي مملوك، ومدير فرع التحقيق في المخابرات الجوية اللواء عبد السلام محمود.
وطالبت فرنسا بإجراء التحريات والاستقصاءات اللازمة وتوقيف هؤلاء الضباط في حال وجودهم في لبنان، وتسليمهم إلى السلطات الفرنسية، وفقًا لما أوردته الصحف اللبنانية. وأشار المصدر القضائي إلى أن القاضي الحجار كلف شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللبنانية بإجراء التحقيقات اللازمة بهذا الشأن، والتحري عما إذا كان الحسن ومملوك ومحمود موجودين على الأراضي اللبنانية وتوقيفهم. كما طلب مراقبة حركة دخول وخروج هؤلاء، وما إذا كانوا دخلوا لبنان بطريقة شرعية، بحسب ما ذكره المصدر لصحيفة "الأنباء".
بتهم جرائم حرب
بحسب ما ذكرته صحيفة "الشرق الأوسط"، تأتي الاستنابة الفرنسية استكمالًا للملاحقات التي يجريها القضاء الفرنسي ضد الرئيس السوري المخلوع، بشار الأسد، ورموز نظامه، بمن فيهم الضباط الثلاثة المذكورون. وتتعلق القضايا باتهامهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، أدت إلى قتل أشخاص فرنسيين. وتفيد الاستنابة بمقتل ثلاثة فرنسيين من أصل سوري تحت التعذيب خلال اعتقالهم لدى المخابرات الجوية، وفي أثناء استجوابهم من قبل مدير التحقيق في المخابرات الجوية عبد السلام محمود، بحسب "الشرق الأوسط".
تضمنت الاستنابة الفرنسية، وفق ما نقلته صحيفة "الشرق الأوسط" عن مصدر قضائي، أرقام هواتف لبنانية تتواصل بشكل دوري مع الأشخاص المذكورين. وأشار المصدر إلى أن هذا ثابت من خلال مراقبة حركة الاتصالات التي تجريها السلطات الفرنسية في سياق تعقب قادة كبار في نظام الأسد. وشدد المصدر القضائي على أن هذا الأمر سيكون في صميم المتابعة والتحقيقات التي ستجريها شعبة المعلومات.
هروب جماعي
تضاربت الأنباء بعد سقوط نظام الأسد حول مصير ضباطه ورجال دولته، فمنهم من فر إلى روسيا ليلة دخول قوات المعارضة إلى دمشق، ومنهم من فر إلى مسقط رأسه في مدن الساحل السوري، ومنهم من هرب بعد ذلك إلى لبنان عبر معابر شرعية وغير شرعية. نقلت وكالة "رويترز" أن العديد من ضباط ورجال دولة الأسد المخلوع هربوا إلى لبنان، وأبرز هذه الأسماء كان رفعت الأسد، وبثينة شعبان، وعلي مملوك. ومؤخرًا، نشرت قناة "CNN" الأمريكية مقطعًا مصورًا بكاميرا سرية، يظهر اللواء بسام الحسن في شقة ببيروت. وقال مصدر محلي في لبنان لعنب بلدي، إنه شاهد العميد السابق غياث دلة في أحد مطاعم لبنان. وفي 13 من كانون الثاني الماضي، أمرت النيابة العامة التمييزية في لبنان، بالإفراج عن 18 ضابطًا وعنصرًا من "الفرقة الرابعة"، كانوا موقوفين في لبنان منذ اليوم التالي لسقوط نظام الأسد.
تحرك سوري
سبق أن كشفت مصادر سورية لقناة "سكاي نيوز عربية" عن تواصل الحكومة السورية مع لبنان من أجل تسليم بعض العسكريين الذين فروا إليه بعد سقوط النظام. وقال المحامي اللبناني نبيل الحلبي لعنب بلدي، إن وزارة العدل اللبنانية بصدد صياغة اتفاقية جديدة لتسليم المجرمين بين البلدين، وأوضح أن بين لبنان وسوريا اتفاقية تسليم مجرمين قديمة، إلا أنها مجمدة منذ فترة طويلة لانعدام التوازن فيها. وأضاف الحلبي أن لبنان ملزم، استنادًا إلى اتفاقية "مناهضة التعذيب"، بعدم التسليم القسري للموقوفين إلى سلطات بلدهم إذا كانت هناك مخاطر جدية بإمكانية تعرض الموقوف للتعذيب، لكن السلطات اللبنانية قامت سابقًا بتسليم مطلوبين لديها إلى دول تعرضوا فيها لأعمال تعذيب وتصفية بالرغم من رفض الموقوفين المغادرة، ووجود مناشدات من منظمات حقوقية محلية ودولية طالبت السلطات اللبنانية حينها بعدم تسليم الموقوف لديها إلى دولته، أو إلى دولة ثانية طالبت به.