الأربعاء, 5 نوفمبر 2025 03:02 PM

ليليان جمعة: فنانة من القامشلي تحوّل الحديد إلى تحف فنية تنبض بالحياة

ليليان جمعة: فنانة من القامشلي تحوّل الحديد إلى تحف فنية تنبض بالحياة

نالين علي – القامشلي

في ركن هادئ من منزلها بمدينة القامشلي، تضيء ليلان مصباحًا صغيرًا على طاولتها المزدحمة بقطع الأسلاك المعدنية. تلتقط سلكًا بين أناملها برفق، وتبدأ في ثنيه وتشكيله، وكأنها تتحدث إليه بلغة خاصة. تقضي ساعات طويلة في هذا الجو الفني الساحر، لتخرج في النهاية بمجسم يعكس خيالها ومشاعرها الداخلية. هكذا، تصنع ليلان جمعة (25 عامًا) فنًا فريدًا من نوعه في منطقتها، مستوحية قصصًا نابضة بالحياة من خيوط الحديد.

ليليان، الشابة القادمة من شمال شرق سوريا، اختارت طريقًا مميزًا بعيدًا عن المألوف. قبل عام ونصف، بدأت مشروعها الذي أصبح اليوم علامة فنية مميزة في القامشلي. تقول لـ"نورث برس" بابتسامة مليئة بالفخر: "اخترت أسلوبًا فنيًا فريدًا وخاصًا بي لصنع قطع معدنية تجسد معاني وقصصًا عشناها، تعبيرًا عما يدور في داخلي من أفكار ومشاعر".

على الرغم من أنها لم تدرس الفن أكاديميًا، إلا أن موهبتها في الرسم منذ الصغر كانت بوابتها إلى هذا العالم المعدني الجميل. فكل رسمة كانت تتحول في خيالها إلى مجسم واقعي تلمسه بيديها، تصوغه بأسلاك الحديد الصلبة التي تطاوعها كما لو كانت طينًا لينًا بين أصابعها.

تقول ليلان: "أصنع المجسمات التي أتخيلها بحرية، وأحيانًا حسب طلب الزبائن. عملي يتطلب جهدًا كبيرًا وساعات طويلة من التركيز، فالتفاصيل الدقيقة تحتاج إلى دقة عالية وأنامل تتقن التعامل مع الأسلاك الصلبة". ورغم صعوبة التعامل مع الحديد وبرودته، إلا أن في أعمال ليلان دفئًا إنسانيًا واضحًا. كل قطعة تروي حكاية، وكل انحناءة في السلك تحكي شعورًا أو ذكرى. تعتبر أن الفن في منطقتها جزء من ثقافة الناس وهويتهم.

وتقول: "الفن يعبر عن ذاتنا، عن أفكارنا ومشاعرنا الداخلية. كل عمل أنجزه يترك في داخلي أثرًا روحانيًا لا يُنسى". لم يكن طريقها سهلاً، فقد واجهت في البداية صعوبات كثيرة، من نقص الأدوات إلى صعوبة تعلم تقنيات التشكيل المعدني. لكنها لم تستسلم، ومع كل تجربة جديدة كانت تكتسب خبرة وتضيف لمسة مختلفة على أعمالها. وتستخدم اليوم أدوات الحدادين ذاتها – من القواطع والمطارق إلى الكماشات والمسامير – لكنها تحوّلها إلى أدوات إبداع تصنع الجمال بدلاً من الصلابة.

ورغم أنها لا تمتلك بعد معرضًا خاصًا، فإنها وجدت في مواقع التواصل الاجتماعي نافذتها إلى العالم. تعرض أعمالها هناك وتبيعها، كما ترسل بعضها إلى شقيقها في العراق ليتولى تسويقها. ومع ذلك، لا تخفي حلمها الكبير: "أتمنى أن أفتح متجري الخاص لعرض أعمالي. أن أرى كل هذه القطع مجتمعة أمامي، سيكون ذلك تحقيقًا لحلم طالما رافقني".

وبين الأسلاك الحديدية التي تتحول إلى ورود، ووجوه، وأجساد تنبض بالعاطفة، تصنع ليلان فنًا جديدًا بلغة من حديد — فنًّا يروي قصص الروح في زمنٍ يندر فيه الإصغاء للجمال الخفي.

تحرير: معاذ الحمد

مشاركة المقال: