الأحد, 9 نوفمبر 2025 02:30 AM

جدل متصاعد في ألمانيا حول عودة اللاجئين السوريين وتأثيرها على سوق العمل

جدل متصاعد في ألمانيا حول عودة اللاجئين السوريين وتأثيرها على سوق العمل

يتصاعد النقاش في ألمانيا حول مسألة إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وما يترتب على ذلك من آثار على سوق العمل. فمع توقعات بانتهاء الحرب في سوريا، تجدد الجدل حول ضرورة مراجعة أوضاع إقامة السوريين، وتسريع عمليات الترحيل، خاصةً للمدانين بجرائم، بالإضافة إلى تشجيع العودة الطوعية.

تعتبر ألمانيا من أهم الدول التي استقبلت اللاجئين السوريين، حيث استقبلت منذ عام 2015 حوالي مليوني شخص، والذين بنوا حياة جديدة فيها. ويشير هربرت بروكر، رئيس قسم أبحاث الهجرة في معهد أبحاث سوق العمل والتوظيف، إلى أن "كل من يعمل يساهم". ويضيف أن اللاجئين السوريين يقدمون مساهمة كبيرة في سوق العمل الألماني، حيث يبلغ عدد الموظفين منهم حوالي 300 ألف، بالإضافة إلى 20 ألف يعملون لحسابهم الخاص. ومع ذلك، يوضح بروكر في حوار مع DW أن نسبتهم تبقى ضئيلة مقارنة بإجمالي عدد العاملين في ألمانيا البالغ حوالي 45 مليون.

ويؤكد بروكر أن معظم السوريين يعملون في مهن تشهد طلبًا مرتفعًا ونقصًا في الكوادر، مثل قطاع الرعاية الصحية، والفنادق والمطاعم، والنقل، والخدمات اللوجستية، والحرف اليدوية. ويحذر من أنه في حال غياب هذه المجموعة، لن يكون هناك بديل لهم في العديد من الوظائف، مما سيؤدي إلى نقص في الإمدادات وارتفاع في الأسعار.

تشير المعلومات إلى أن حوالي نصف اللاجئين الأجانب يعملون كمهنيين، و10% منهم كمتخصصين أو خبراء، و45% في قطاع المساعدة. هؤلاء العمال يحظون بطلب كبير في ألمانيا، وذلك بسبب التغير الديموغرافي الذي يؤدي إلى ارتفاع الطلب على الخدمات البسيطة التي لا تتطلب مؤهلات عالية، كما يوضح بروكر، مشيرًا إلى التحول الديموغرافي نحو الشيخوخة الذي تشهده البلاد.

تجدر الإشارة إلى أن عمليات الترحيل إلى سوريا متوقفة منذ عام 2012 بسبب الوضع الأمني غير المستقر. إلا أن النقاش الحالي يسعى إلى تغيير هذا التصنيف وإيجاد آليات جديدة لتسريع عمليات الترحيل. وبحسب وزارة الداخلية الألمانية، غادر ألمانيا حتى نهاية أغسطس 2025 حوالي 1900 سوري بشكل طوعي وبدعم من الدولة. ومن غير المتوقع حدوث موجة عودة أكبر من ذلك. ولكن، في حال تم تضييق الخناق على الجالية السورية، فقد نشهد حتى عودة أولئك الذين يشغلون وظائف عالية، مثل الأطباء السوريين الذين يحملون جوازات سفر سورية ويعملون في المستشفيات الألمانية، والبالغ عددهم حوالي 7 آلاف طبيب، بحسب أرقام غرفة الأطباء الألمانية.

وفي هذا السياق، يقول طبيب القلب الدكتور أنس جانو، وهو كبير أطباء في مستشفى جامعة يينا: "الأطباء السوريون وغيرهم من الأطباء الأجانب يمثلون إثراءً كبيرًا لألمانيا بسبب الحاجة إليهم". ويضيف أن حوالي ثلث أو ربع الأطباء في ألمانيا اليوم ينحدرون من خارجها. ويشير إلى أنه منذ عام 2012، أصبح بإمكان الأطباء الأجانب الحصول على ترخيص رسمي لمزاولة مهنة الطب، مما سهل اندماجهم بشكل كبير، وأتاح لهم العمل بشكل دائم والحصول على الجنسية الألمانية والمساهمة في استقرار نظام الرعاية الصحية في ألمانيا.

إلا أن جانو ينظر بقلق إلى المزاج العام، ويقول إن من يعمل هنا ويكوّن أسرة ولديه أطفال، يريد الأمان والقبول. ولكن عندما يتم الحديث باستمرار حول "السوريين المجرمين"، على الرغم من أنهم أقلية صغيرة فقط، يشعر الكثيرون بأنه غير مرحب بهم، وبالتالي يفكرون في العودة، لأن الأمر لا يتعلق فقط بالوظائف أو التراخيص، بل بالشعور بالأمان والتقدير. فعندما يشعر الناس بالترحيب، سيبقون.

ورداً على سؤال حول مسؤولية الكوادر المتخصصة في إعادة إعمار وطنهم، أجاب جانو: "جميعنا نتحمل المسؤولية لأننا ولدنا ونشأنا هناك"، في سوريا. ولكن هذا لا يعني بالضرورة العودة "بشكل دائم". ويضيف أنه يمكن القيام بذلك "عن بُعد" – من خلال المحاضرات، والدعم المالي، أو نقل المعرفة. ويتابع: "يمكننا نقل أفكار من نظام الرعاية الصحية الألماني إلى الزملاء السوريين". ولكن العودة "لا تمثل" حاليًا أي خيار بالنسبة للكثيرين، وذلك بسبب الوضع الذي "لا يزال غير مستقر" في سوريا.

يعمل في ألمانيا نحو 60% من السوريين في مهن ذات أهمية نظامية وضرورية لسير المجتمع والحياة اليومية – وهي نسبة أعلى بكثير من نسبة العاملين الألمان التي تبلغ 48%، بحسب معهد أبحاث سوق العمل والتوظيف. ومع ذلك، فإن الكثيرين منهم لا يستطيعون استغلال مؤهلاتهم، فغالبًا ما يعمل المهندسون كفنيين، وتعمل الطبيبات كمساعدات تمريض. وكثيرًا ما يعود ذلك إلى عدم الاعتراف بشهاداتهم أو افتقارهم إلى الخبرة المهنية.

بالإضافة إلى ذلك، يوجد نحو 700 ألف سوري عاطلين عن العمل، ومنهم مسجلون كباحثين عن عمل. وعدد منهم يواجهون صعوبات في الدخول إلى سوق العمل بسبب عقبات بيروقراطية أو نقص في فرص التدريب. ويرى باحث سوق العمل هربرت بروكر أنه يمكن من خلال الدعم الموجه استغلال إمكاناتهم بشكل أفضل وفي ذات الوقت سد الثغرات في سوق العمل، منتقداً طول مدة الإجراءات من اللجوء إلى الاندماج في سوق العمل.

ويضيف أن ضمان الأمن القانوني أمر حاسم، فالشركات لا تفضل توظيف الأشخاص الذين لا تعرف عنهم إن كانوا يستطيعون البقاء هنا أم لا. ولهذا السبب فإن إتمام إجراءات اللجوء أمر مهم جدًا.

ولكن الاندماج في سوق العمل لا يمثل سوى جانب واحد، إذ إن جاذبية ألمانيا العامة كبلد مقصد تؤثر أيضًا على عدد العمال المهرة الذين يبقون هنا بالفعل أو يأتون لاحقًا. ويحذر بروكر – على غرار طبيب القلب السوري أنس جانو – من أن ما يستهان به كثيرًا هو أن التحول في المزاج العام يحدث تأثيرًا كبيرًا في ألمانيا. وهكذا فقد حدث في السنين الأخيرة انخفاض حاد في هجرة العمال الماهرة إلى ألمانيا، ويقول بروكر بهذا الصدد إنه و"بحسب استطلاع عالمي أجرته مؤسسة غالوب العالمية حول بلدان المقصد المفضلة فقد تراجعت ألمانيا بشكل ملحوظ خلال العامين أو الثلاثة أعوام الماضية". (DW)

مشاركة المقال: