تبحث سوريا والعراق سبل تعزيز التعاون الأمني في مرحلة ما بعد سقوط نظام الأسد، لمواجهة تحديات مشتركة أبرزها محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية". ورغم خسائره، لا يزال التنظيم يشكل تهديدًا، خاصة في المناطق الصحراوية بين البلدين. هذا يدفع بغداد ودمشق لدراسة استراتيجيات أمنية مشتركة، بالتزامن مع تراجع دور التحالف الدولي في العراق، وفقًا لتقرير صادر عن "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى".
أكد التقرير أن الاجتماعات بين البلدين تعكس اعترافًا بأهمية التعاون الأمني لضمان الاستقرار. ويؤكد مسؤولون عراقيون على ضرورة التنسيق المباشر مع دمشق وتكثيف جهود مكافحة الإرهاب لبناء الثقة.
مخاوف الطرفين
تخشى بغداد من استغلال الفراغ الأمني الذي خلفه سقوط نظام الأسد، خاصة من قبل مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" وعائلاتهم في مخيم "الهول" شمال شرقي سوريا، حسب التقرير. كما تحرص على مراقبة المناطق الصحراوية التي أصبحت ممرًا لتهريب المخدرات والأسلحة بين البلدين، خاصة بين دير الزور السورية ومحافظة الأنبار العراقية.
في المقابل، تبدي دمشق حذرها من أن يؤدي أي اتفاق أمني مع بغداد إلى تجدد نفوذ "الميليشيات" العراقية داخل سوريا، عبر دعم الجماعات "الشيعية" السورية في المنطقة الساحلية. فمنذ عام 2013، قاتلت فصائل عراقية مثل "كتائب حزب الله" و"حركة النجباء" إلى جانب نظام الأسد، بالتنسيق مع فيلق "القدس" التابع لـ"الحرس الثوري الإيراني"، مما ساهم في توسيع النفوذ الإيراني في مناطق مثل دير الزور والبوكمال والقصير، لتأمين الهلال الشيعي الممتد من طهران إلى بيروت عبر بغداد ودمشق، وفق التقرير.
فرصة انسحاب "التحالف الدولي"
يرى التقرير أن انسحاب قوات "التحالف الدولي" من العراق يمثل نقطة تحول، حيث أصبح التعاون مع دمشق ضرورة أمنية لاستباق "الهجمات الإرهابية". ويتيح رحيل التحالف للعراق فرصة لإعادة تحديد تحالفاته الإقليمية، وقد يتيح التواصل مع القيادة السورية الجديدة لبغداد مخرجًا من عزلتها الجيوسياسية، إذا نجحت في تحقيق توازن بين القوى المتنافسة.
ترى بعض الفصائل السياسية العراقية في خروج التحالف فرصة لإعادة بناء إطار أمني إقليمي بين بغداد ودمشق، بعيدًا عن الإملاءات الخارجية. لكن هذا يواجه تحديات مثل انعدام الثقة بين المؤسسات الأمنية في البلدين، وتباين الأولويات، وتضارب التحالفات الإقليمية.
شبكة النفوذ الإقليمي: تركيا والخليج وإيران
أظهر التقرير أن التقارب العراقي السوري لا يُقرأ بمعزل عن المشهد الإقليمي، خاصة تركيا ودول الخليج وإيران. فتركيا تراقب بحذر أي تنسيق بين بغداد ودمشق، خشية أن يمنح إيران فرصة لاستعادة نفوذها في سوريا، وأن يهدد إحياء خط أنابيب كركوك-بانياس النفطي خط كركوك-جيهان.
بالمقابل، تحاول دول الخليج دفع سوريا نحو محور عربي مستقل عن طهران، حيث طرحت الدوحة مبادرات اقتصادية لتزويد سوريا بالطاقة، بينما تعمل الرياض وأبو ظبي على إعادة دمج دمشق عربيًا بشروط تضمن تحجيم النفوذ الإيراني.
أما إيران، فبدأت بمحاولة إعادة تموضعها من خلال آلية تنسيق ثلاثية بين طهران وبغداد ودمشق تحت عنوان "مكافحة الإرهاب"، وتستخدم نفوذها السياسي في بغداد لضمان دور محوري في أي ترتيبات أمنية مقبلة مع دمشق.
انقسام داخلي في بغداد
ينعكس الصراع الإقليمي على المشهد السياسي العراقي، فبينما يدعو فريق إلى تطبيع العلاقات مع دمشق الجديدة انطلاقًا من المصالح الأمنية، يرفض آخرون أي تواصل مع "نظام جاء على أنقاض حليف استراتيجي لإيران"، حسب التقرير. وقد برز هذا الانقسام حين رفض نوري المالكي دعوة أحمد الشرع إلى قمة جامعة الدول العربية في بغداد، معتبرًا أن الشرع "متورط في دعم الإرهاب".
بدوره، شدد محمد شياع السوداني على أهمية مشاركة سوريا في القمة "لتقديم رؤية لسوريا الجديدة"، معتبرًا أن تجاوز الأزمة السورية يصب في مصلحة الأمن الإقليمي والعربي.
سيناريوهات متوقعة
هناك عدة سيناريوهات محتملة للعلاقات العراقية السورية المستقبلية، وفق التقرير:
- السيناريو الأول يعتمد على قدرة بغداد على تجاوز الضغوط الإقليمية والانقسامات الداخلية، مما قد يمهد الطريق لتوسيع الشراكة بين بغداد ودمشق، بما في ذلك إنشاء مراكز تنسيق حدودية مشتركة، وحملات أمنية ضد التنظيم، وإعادة تأهيل خط أنابيب كركوك-بانياس، ومشاريع اقتصادية أخرى. إلا أن هذا يتطلب مظلة عراقية قوية ومتماسكة سياسيًا.
- السيناريو الثاني، وهو الأكثر احتمالًا على المدى القصير، ينطوي على استمرار التعاون الأمني المحدود، بما في ذلك تبادل المعلومات الاستخباراتية والعمليات الميدانية السرية التي لا ترقى إلى مستوى الشراكة الرسمية أو التطبيع الكامل. وإذا توترت العلاقات، فقد نعود إلى أزمات الحدود التي ميزت الفترة التي سبقت عام 2014.
تحفظات في العلاقة السورية- العراقية
تشهد العلاقة بين العراق وسوريا في مرحلة ما بعد الأسد تداخلًا معقدًا بين إرثٍ من المظالم، وهواجس أمنية من جهة، وفرص التعاون الاقتصادي والتحديات الجيوسياسية من جهة أخرى. وتشعر سوريا بعد سقوط نظام الأسد المخلوع بالقلق من علاقات العراق المتنامية مع إيران، التي تعدّها تهديدًا لحكمها الجديد. ومن جانبه، يتشكل موقف العراق الحذر تجاه سوريا نتيجة الضغوط الجيوسياسية الخارجية، المتمثلة بحاجة العراق لموازنة علاقاته مع إيران، والحفاظ على علاقات إيجابية مع الولايات المتحدة، وتجنب التحول إلى ساحة للصراعات بالوكالة بين القوى الإقليمية، مثل إيران والولايات المتحدة وإسرائيل. وهو ما دفع الجارين إلى التحفظ في الإسراع بخطوات إعادة العلاقات السياسية بينهما، والسير ببطء نحو بعض التفاهمات الأمنية والاقتصادية بين البلدين، بحسب دراسة صادرة عن مركز "حرمون للدراسات".