الأحد, 9 نوفمبر 2025 10:45 PM

حمص: غضب شعبي إزاء تحويل مباني مملوكية أثرية إلى مطاعم استثمارية

حمص: غضب شعبي إزاء تحويل مباني مملوكية أثرية إلى مطاعم استثمارية

تعيش مدينة حمص حالة من الاستياء والغضب بعد انتشار أخبار عن خطط لتحويل اثنين من أهم المباني الأثرية المملوكية المتبقية في المدينة، وهما قصر الزهراوي وقصر مفيد الأمين، إلى مطاعم استثمارية. يرى ناشطون ومهتمون بالتراث هذه الخطوة "جريمة بحق الذاكرة الحمصية" ومؤشرًا خطيرًا على استمرار التعدي على الإرث الثقافي السوري.

عبّر ناشطون ومهندسون ومعماريون ومحبّو التراث عن رفضهم القاطع لما وصفوه بـ"العبث بتاريخ المدينة" في منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي. وأكد أحد المنشورات المتداولة أن "تحويل الأماكن التراثية النادرة التي تتميز بسوية معمارية عالية إلى مطاعم هو جريمة كبرى. هذه المباني تستحق التسجيل على لائحة التراث العالمي لا تحويلها إلى مشاريع تجارية مشوّهة".

يرى أصحاب هذه الحملة أن هذه الخطوات تمثل استمرارًا لنهج الإهمال والفساد الذي طال العديد من معالم حمص القديمة، التي عانت خلال الحرب وما بعدها من دمار واسع وإهمال في أعمال الترميم والصيانة. يُعد قصر الزهراوي أحد أبرز معالم العمارة المملوكية في حمص، ويتميّز بزخارفه الحجرية الفريدة وفناءه الداخلي ذي الطراز العربي الأصيل. أما قصر مفيد الأمين فيقع في قلب المدينة القديمة، وكان لسنوات أحد النماذج النادرة للبيوت الحمصية ذات الطابع المملوكي – العثماني المشترك. ووفقاً لخبراء التراث، تمثل هاتان البنايتان آخر ما تبقّى من الهوية المعمارية الحمصية التقليدية التي تضررت بشدة خلال الحرب.

يعود الجدل إلى قرار صادر عن مجلس مديرية الآثار والمتاحف في الجمهورية العربية السورية بتاريخ أيلول/سبتمبر 2009، يتضمن بنوداً حول توظيف واستثمار بعض الأبنية الأثرية في حلب واللاذقية وحمص. ويشير القرار إلى الموافقة على توظيف دار مديرية الآثار في حمص كمركز توثيقي للمدينة، ما اعتبره بعض الناشطين مبرّراً قانونياً لإعادة إحياء هذا التوظيف الثقافي بدلاً من استثماره كمطعم تجاري. ومع ذلك، تُطرح اليوم بدائل استثمارية تقتصر على تحويل هذه القصور إلى مطاعم، ما أثار مخاوف من طمس معالمها المعمارية الأصلية.

يرى مختصون أن تطوير المواقع الأثرية واستثمارها سياحياً يجب أن يتم وفق معايير دقيقة تضمن حماية الهوية البصرية والمعمارية للمكان. ويحذر المهندس المعماري (م. أ. ح.) من أن “تحويل الأبنية الأثرية إلى منشآت خدمية من هذا النوع يعني بالضرورة إدخال تجهيزات تهوية ومطابخ وخدمات صحية، مما يفرض تعديلات إنشائية وتشويهًا بصريًا لا يمكن عكسه”.

يطالب ناشطو حمص الجهات المسؤولة، وعلى رأسها مديرية الآثار والمتاحف ووزارة الثقافة، بالتدخل العاجل لوقف أي مشروع استثماري يهدد هذه المباني، وإعادة تفعيل قرار توظيفها الثقافي كمراكز وثائق أو متاحف. ويؤكدون أن “الحفاظ على التراث ليس رفاهية، بل هو واجب وطني وإنساني تجاه الأجيال القادمة".

منذ انتهاء العمليات العسكرية، تعاني أحياء حمص القديمة من بطء شديد في عمليات الترميم وإعادة الإعمار، فيما يزداد القلق من أن تتحول مشاريع “إعادة الإحياء” إلى ذريعة للخصخصة والاستثمار التجاري على حساب الهوية التاريخية للمدينة. فهل تنجح الأصوات الرافضة في إنقاذ ما تبقى من معمارها المملوكي، أم أن المطاعم ستحلّ ضيفاً ثقيلاً على ذاكرة مدينةٍ أتعبتها الحرب وأنهكها الخراب؟

فارس الرفاعي - زمان الوصل

مشاركة المقال: