راغب ملّي: يقتحم الذكاء الاصطناعي اليوم مجالات الإعلام والثقافة، مؤثراً في كل شيء من الكتابة إلى إنتاج الصور والأصوات، مما يستدعي إعادة تقييم دور الإنسان في العملية الإبداعية. ومع التوسع في استخدام هذه التقنيات، تزداد الحاجة إلى فهم أعمق لعلاقتها بالإبداع والحقيقة والهوية.
وفي حديث لـ “النهار”، أكدت الدكتورة فيولا مخزوم، الباحثة في تكنولوجيا التربية والتعليم ومديرة المركز الديموقراطي العربي في لبنان، أن الذكاء الاصطناعي لا يلغي الإبداع البشري، بل يعيد تنظيمه في إطار شراكة جديدة بين الإنسان والآلة. كما عرضت رؤيتها حول كيفية تكيف الإعلام العربي مع هذه المرحلة دون فقدان هويته الثقافية.
الإبداع المشترك بين الإنسان والآلة
أوضحت الدكتورة فيولا مخزوم أن ما نشهده اليوم ليس مجرد تطور تقني، بل تحول جذري في مفهوم الإبداع نفسه. فالذكاء الاصطناعي قادر على محاكاة الأساليب البلاغية، وإنتاج الصور والمقاطع، وكتابة السيناريوهات، ولكنه يظل، كما تؤكد، خالياً من التجربة الإنسانية: “لا يمتلك ذاكرة شعورية، ولا خبرة ذاتية، ولا إحساساً بالجمال أو الألم أو المعنى”.
وترى أن الإبداع انتقل من مفهوم الفردية إلى الإبداع المشترك، حيث يحدد الإنسان الفكرة والغاية والسياق، بينما تساعد الآلة في البناء والتنفيذ وتسريع عملية الإنتاج. وتضيف: “الإبداع في جوهره ما زال إنسانياً، لأنه يصدر عن وعي ومعرفة وتأويل للعالم، وهذه عناصر لا يمكن نمذجتها خوارزمياً حتى الآن”.
المحتوى المزيّف… خطر على الحقيقة
وصفت مخزوم انتشار المحتوى المزيّف وتقنيات الـ Deepfake بأنه تحدٍّ خطير أمام الحقيقة ووعي الجمهور. وشددت على أن المؤسسات الإعلامية اليوم مطالبة بما هو أكثر من نقل الخبر، إذ يجب أن تمتلك “آليات تحقق منهجية، ووحدات تدقيق رقمي داخل غرف الأخبار، مع تدريب العاملين على أدوات كشف التلاعب وتحليل البصمة الرقمية للمحتوى”.
وأوضحت أن التشريعات بطبيعتها أبطأ من سرعة التطوّر التقني، لذا لا بد من أن تكون مرنة ومتجددة، توفر إطاراً واضحاً للمساءلة الرقمية والأمن المعلوماتي. وتضيف: “نحن في مرحلة تتطلب تعاوناً بين الإعلام والمشرّعين وخبراء الأمن السيبراني لحماية المجال العام من التضليل الممنهج”.
وتلخّص مخزوم المطلوب اليوم في نقاط محددة:
- تحليل البصمة الرقمية للصور والفيديوهات.
- تتبّع مصدر المحتوى.
- استخدام أدوات كشف التلاعب المرئي والصوتي.
- التعاون مع خبراء أمن سيبراني في الحالات الحساسة.
وتشير إلى أن المواجهة يجب أن تكون تكاملية بين الإعلام، والجامعات، والمشرّعين، مع أطر قانونية مرنة تجرّم استخدام الذكاء الاصطناعي لأغراض التضليل أو التشهير.
غرف الأخبار الذكية… فرصة مشروطة
حول استخدام الذكاء الاصطناعي في التحرير والإنتاج الصحافي، ترى مخزوم أنه فرصة حقيقية لتطوير العمل الإعلامي شرط أن يظل الإنسان في موقع الفاعل والموجّه. وتقول: “الآلة قادرة على تلخيص البيانات وتحليلها واقتراح صيغ سردية، لكنها لا تستطيع اختيار الزاوية التحريرية، ولا قراءة الأبعاد الاجتماعية والسياسية للقصة الخبرية، ولا تقدير أثرها على الجمهور”.
وتوضح مخزوم أن الصحافي الذي يحافظ على دوره في هذا السياق لن يكون مجرّد كاتب نصوص، بل مهندس للأسئلة والتحليل والسياق، بينما من يكتفي بالصياغة التقليدية سيتراجع دوره تدريجياً.
وتضيف: “الذكاء الاصطناعي هو فرصة لمن يعرف كيف يستخدمه، وتهديد لمن يكتفي بالنموذج التقليدي للعمل الصحافي”.
وتعدد ما يمكن أن يقدمه الذكاء الاصطناعي الى الصحافة:
- تلخيص الوثائق والبيانات الضخمة.
- اقتراح عناوين تتضمن كلمات مفتاحية فعالة.
- تنظيم المعلومات في صيغ جاهزة للاستخدام.
لكنها تؤكد في المقابل أنّه لا يستطيع:
- اختيار الزاوية التحريرية.
- وضع الأسئلة.
- فهم السياق السياسي والاجتماعي.
- تقييم أثر القصة على الجمهور.
الذكاء الاصطناعي والهوية العربية
وترى أن الإعلام العربي يستطيع أن يستفيد من الذكاء الاصطناعي من دون أن يفقد هويته الثقافية إذا ارتكز على ثلاث دعائم أساسية:
- التدريب وبناء القدرات عبر إدخال مهارات تحليل البيانات والأدوات الخوارزمية في مناهج كليات الإعلام وبرامج التدريب المهني.
- تعزيز الهوية اللغوية والثقافية من خلال دعم تطوير نماذج ذكاء اصطناعي تفهم البنية العميقة للغة العربية وسياقاتها الثقافية، كما في المبادرات القائمة في الإمارات والسعودية.
- حوكمة رقمية واضحة تضع سياسات تحمي الخصوصية وحقوق المستخدم، وتضمن الاستخدام المسؤول للتقنيات.
وتختم حديثها بالقول: “السؤال اليوم ليس كيف نلحق بالثورة التقنية، بل كيف نشارك في صوغها بما يخدم قيمنا وهويتنا ودورنا في إنتاج المعرفة؟”.
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار