دمشق-سانا: استضافت المكتبة الوطنية محاضرةً تنموية بعنوان "النموذج الياباني وإعادة الإعمار"، قدمها الباحث في مجال الدراسات الدولية بجامعة "واسيدا" اليابانية، الدكتور محمد المصري. تناولت المحاضرة التجربة اليابانية الملهمة في النهوض بعد الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الثانية، والإصلاحات الشاملة التي تبنتها لإعادة بناء الإنسان والبنية التحتية، مع التركيز على إمكانية استلهام الدروس وتطبيقها في سياق إعادة بناء سوريا.
استعرض المصري تاريخ اليابان خلال فترة حكم الإمبراطورية في عهد أسرة ياماتو، والتحولات الجذرية التي شهدتها مع الانفتاح على الغرب في نهاية القرن التاسع عشر، والتصنيع السريع والنمو الاقتصادي، وصولاً إلى التوسع العسكري والحرب العالمية الثانية (1939-1945). أشار إلى الخسائر الفادحة التي تكبدتها اليابان، حيث قُتل أكثر من 3 ملايين ياباني، بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية وتضرر أكثر من 60 مدينة، بما في ذلك القصف النووي لمدينتي هيروشيما وناغازاكي.
بعد الحرب، نفذت اليابان سلسلة من الإصلاحات التي شرحها المصري بالتفصيل. في المجال السياسي والدستوري، أعادت هيكلة الدولة، وركزت على حقوق الإنسان، وأنشأت محاكم لمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب وتطبيق العدالة الانتقالية، وألغت معظم المؤسسات العسكرية، وأطلقت برامج تركز على السلام، وأنشأت متاحف للذاكرة الجماعية، واعتمدت سياسة اللاعنف.
وفي المجال الاقتصادي والزراعي، طبقت اليابان نموذجًا يعتمد على تحالف مؤسسات الدولة مع القطاع الخاص لإحياء الصناعات الأساسية، وإصلاح نظام الملكية، وتعويض المتضررين من الحرب، وإنشاء نقابات عمالية قوية، وتحقيق التوازن بين حقوق العمال ومتطلبات الإنتاج.
أما في مجال التعليم وتنمية رأس المال البشري، فقد عملت اليابان على إصلاح النظام التعليمي ومحو الأمية، وتوسيع نطاق التعليم ليشمل جميع فئات الشعب، وتحويل الجامعات إلى مراكز للبحث والابتكار، وتعزيز ثقافة التطوع من خلال دعم المبادرات المجتمعية.
أكد المصري على أنه على الرغم من الاختلافات بين التجربتين، إلا أن نجاح التجربة اليابانية يثبت إمكانية نهوض سوريا بعد الدمار. واختتم حديثه بالتأكيد على أنه كما نهضت مدن مثل هيروشيما وناغازاكي وريكوزن ناكاتا، فإن جميع مدن سوريا قادرة على النهوض مجددًا.
يذكر أن المصري من مواليد مدينة القصير بحمص، وقد لجأ إلى لبنان بين عامي 2014 و 2018، حيث عمل في المجال التعليمي مع عدة منظمات إنسانية لدعم اللاجئين في لبنان. كما قام بجولات في عدة دول لدعم الثورة السورية، ثم سافر إلى اليابان بمنحة دراسية، وحصل على درجتي الماجستير في (النزاع والسلام) والدكتوراه في الدراسات الدولية من جامعة "واسيدا"، وعمل في المجالين التعليمي والبحثي هناك.