بين جدران الزنازين المظلمة، حيث تتلاشى الإنسانية، تنبعث قصص تضيء الأمل. هذه شهادة ناجٍ يروي فصولاً من حياة رجل صلب، استشهد تحت وطأة التعذيب، ليصبح أيقونة للكرامة والصمود.
يروي الناجي: "كنتُ الأسير رقم 517 في فرع المخابرات الجوية بمطار المزة عام 2018، بسبب تقرير كيدي. زُجّ بي في زنزانة ضيقة، قضيتُ فيها 94 يوماً مع 31 شخصاً آخر".
ويتابع: "في أحد الأيام، أُدخل إلى زنزانتنا رجل مسنّ، نحيل الجسم. سألناه عن سبب اعتقاله ومن أي منطقة هو. مع مرور الوقت، جلس بجانبي وبدأ يحكي لي عن نفسه. عرّف عن نفسه باسم جودت عز الدين، أبو عبد الله".
ويضيف: "بعد أربعة أيام من اعتقاله، استدعوه للتحقيق. أخذوه صباحاً وأعادوه قرابة العصر. خلال الأيام التي قضيتها مع العم أبو عبد الله، كان يشاركني تفاصيل حياته. كنا نحاول تمضية الوقت للتخفيف عن أنفسنا. كانت أكثر عبارة تؤلمني عندما يقول: 'أنت ستخرج وترى أهلك، أما أنا فلا أظن ذلك'. وأخذت عليه عهداً بأنه إذا خرج أن يخبر أهلي ويطمئنهم عني، حتى أنه حفظ رقم هاتفي لهذه الغاية".
ويتذكر: "كان يحدثني عن ابنه الوحيد، وأحفاده الذين يدرسون، وعمله. كان يقول لي: 'إذا خرجنا سنعمل سوياً'. وكنا ننتظر الفرج كل يوم".
يوم النهاية:
"جاء اليوم الذي استدعوا فيه أبا عبد الله للتحقيق. جاء السجان يحمل جنزيراً وكلبشات وطماشة. قال لنا: 'جهزوه، جهزوه'، وودعناه. كنا معتادين أن نقرأ الفاتحة على كل من يخرج من الزنزانة".
"أخذوه وعاد بعد وقت طويل، وكان في حالة يرثى لها. حاولت مواساته، لكنني لمست رجليه فوجدتهما سوداوين من شدة الضرب والتعذيب. في اليوم التالي، استيقظنا ووجدنا أبا عبد الله يتقيأ دماً. استمر الوضع على هذا الحال لمدة خمسة أيام".
الوداع الأخير:
"في آخر يوم مع أبي عبد الله، كان يوماً صعباً علينا جميعاً. قرابة الظهر، جاء السجانون وطلبوا منا الخروج للاستحمام. قلت له: 'سأحمّمك'، فرفض. أجبرته أنا وأحد الشباب، فاستحممنا وعدنا".
"بعد ساعات، عادوا وطلبوا منا الخروج إلى الحمام. نظرت إليه وقلت: 'هيا يا عمي، قم إلى الحمام'، فرفض أيضاً. أصررت عليه وأجبرته أنا وشاب آخر، وساعدناه على الخروج. وعندما وصل إلى باب الزنزانة، سقط... توفي أبو عبد الله".
زمان الوصل