تستعد بريطانيا لتطبيق تعديلات جوهرية على سياسة اللجوء، تعد الأهم في العصر الحديث، وذلك بتحويل وضع اللاجئ إلى وضع مؤقت، وزيادة مدة الانتظار للحصول على الإقامة الدائمة إلى 20 عامًا، أي أربعة أضعاف المدة الحالية. يأتي هذا في ظل مواجهة حكومة حزب العمال لنظام لجوء "معطل"، الأمر الذي ساهم في زيادة الدعم للأحزاب اليمينية.
بعد صيف شهد احتجاجات أمام الفنادق التي تستضيف طالبي اللجوء، ومظاهرة كبيرة مناهضة للهجرة في لندن، وانتقادات مستمرة من حزب "إصلاح المملكة المتحدة" اليميني المتشدد بقيادة نايجل فاراج، أعلنت وزيرة الداخلية، شبانة محمود، عن خطط للحد من عبور القوارب الصغيرة غير القانونية من فرنسا، وإعادة اللاجئين إلى بلدانهم الأصلية متى كان ذلك آمنًا.
وقالت شبانة محمود لقناة BBC، الأحد: "لدينا نظام خارج عن السيطرة". وأضافت: "إنه نظام غير عادل، ويضع ضغطًا هائلاً على المجتمعات. من الضروري إعادة الأمور إلى نصابها، حتى نتمكن من الحفاظ على موافقة الجمهور وثقته في نظام اللجوء".
تتضمن خطة الحكومة، التي سيتم الكشف عنها بالكامل يوم الاثنين، محورين رئيسيين. أولاً، إنهاء "المسار التلقائي" للحصول على وضع الإقامة الدائمة بعد خمس سنوات من إقامة اللاجئ في بريطانيا. وبموجب هذه التغييرات، ستتم مراجعة وضع اللاجئ كل عامين ونصف خلال فترة انتظار مدتها 20 عامًا قبل أن يتمكن من التقدم بطلب للحصول على إقامة دائمة.
وأكدت وزيرة الداخلية البريطانية أن هذا الإجراء سيقلب "الافتراض السائد منذ أجيال" بأن توفير الملاذ للاجئين يمكن أن يؤدي بسرعة إلى الحصول على وضع الإقامة الدائمة "وجميع الحقوق المرتبطة بذلك". وأكدت شبانة محمود: "إذا أصبح بلدك آمنًا خلال الفترة الفاصلة... ستُعاد إلى بلدك".
سيواجه الوافدون بشكل قانوني أيضًا مسارًا لمدة 10 سنوات للحصول على إقامة دائمة، أي ضعف مدة الانتظار الحالية. وبموجب المحور الثاني للخطة، سيتم إلغاء السكن والبدلات الأسبوعية لمن يحق لهم العمل ويمكنهم إعالة أنفسهم لكنهم يختارون عدم القيام بذلك. كما سيتم سحب الدعم من أولئك الذين يخالفون القانون.
وقالت محمود: "ليس من العدل أن يُجبر المواطنون البريطانيون والمقيمون منذ فترة طويلة في هذا البلد على اتباع مجموعة من القواعد والامتثال لها، بينما تفلت مجموعة أخرى – ممن لهم أيضًا الحق في العمل – من العقاب لعدم الامتثال".
تستوحي السياسة الجديدة نهج الدنمارك، وهو من أكثر السياسات صرامة في أوروبا. لكن بريطانيا الآن على أهبة الاستعداد للمضي قدمًا: فالمسار الجديد الذي يمتد لعشرين عامًا سيجعل طريق بريطانيا نحو الاستقرار هو الأطول في أوروبا، تليها عملية الدنمارك التي تستغرق ثماني سنوات.
منذ فوزه الساحق في انتخابات عام 2024، سعى حزب العمال إلى التوفيق بين إظهار الكفاءة في معالجة الهجرة غير الشرعية، دون إبعاد قاعدته الانتخابية الأكثر تقدمية والتي تفضل نهجًا أكثر تعاطفًا. وقد تُرك كلا الجانبين في حالة من الاستبعاد: إذ يدعم الناخبون اليمينيون الإجراءات الأكثر صرامة التي اقترحها نايجل فاراج، الزعيم المتعصب لحزب "إصلاح المملكة المتحدة"، بينما شعر الكثيرون من اليسار بالقلق من خطاب حزب العمال المتشدد.
لكن شبانة محمود، وهي ابنة مهاجرين من الجانب الباكستاني من كشمير، قالت إنها ترفض "فكرة أن التعامل مع هذه المشكلة يتطلب بطريقة ما الانخراط في نقاشات اليمين المتشدد". تقول محمود: "هذه مهمة أخلاقية بالنسبة لي، لأنني أرى أن الهجرة غير الشرعية تمزق بلدنا وتفرق المجتمعات. يرى الناس ضغطًا هائلاً في مجتمعاتهم، كما يرون نظامًا معيبًا، حيث يمكن للناس انتهاك القواعد وإساءة استخدام النظام والإفلات من العقاب".
وانتقدت وزيرة الداخلية البريطانية أيضًا الحكومة المحافظة السابقة لإضاعتها الوقت والأموال العامة في جهودها الفاشلة لمعالجة الهجرة غير الشرعية. وأقرّ المحافظون مشروع قانون مثيرًا للجدل يسمح بترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا لكي تُعالج الدولة الواقعة في شرق إفريقيا طلباتهم، لكن محمود قالت إن هذا المشروع كلف 700 مليون جنيه إسترليني (920 دولارًا أمريكيًا) ولم يُرحّل سوى أربعة أشخاص – جميعهم متطوعون.
في مؤشر على تصاعد الجدل البريطاني حول الهجرة، لم تنتقد الأحزاب الرئيسية الأخرى خطط حزب العمال بشدة. صرّح كريس فيلب، الذي كان وزيرًا للداخلية في حزب المحافظين، لـ BBC بأن حزبه سيدعم الإجراءات الجديدة إذا كانت "معقولة"، مدعيًا في الوقت نفسه أنها ليست "جذرية" بما يكفي. وقال إد ديفي، زعيم الديمقراطيين الليبراليين الأكثر تقدمية، إن حزب العمال محق في إعلانه عن إجراءات لجوء "لمعالجة الفوضى".
تستلهم سياسة المملكة المتحدة الجديدة من الدنمارك ودول أوروبية أخرى حيث يكون وضع اللاجئ مؤقتًا، والدعم مشروطًا، والاندماج متوقعًا. في فيديو على موقع إكس، قالت شبانة محمود إنها تتخذ إجراءً لأن طلبات اللجوء تتزايد في بريطانيا على الرغم من انخفاضها في أجزاء أخرى من أوروبا. وقالت: "في السنوات الأربع الماضية، تقدم 400 ألف شخص بطلبات لجوء هنا. يتم إيواء ودعم أكثر من 100 ألف شخص على نفقة دافعي الضرائب، مما يضع ضغطًا هائلاً على المجتمعات المحلية".
واستندت وزارة الداخلية البريطانية إلى إن سياسات الدنمارك قد خفضت طلبات اللجوء هناك إلى أدنى مستوى لها منذ 40 عامًا، وأدت إلى رفض 95% من المتقدمين. في وقت سابق من هذا العام، زار وفد بريطاني من كبار مسؤولي وزارة الداخلية العاصمة كوبنهاغن لدراسة نهج الدنمارك تجاه اللجوء، وفقًا لما ذكرته وكالة أنباء رويترز.
مع ذلك، أثارت إصلاحاتها انتقادات شديدة، حيث قالت جماعات حقوق الإنسان إن هذه الإجراءات تعزز مناخًا معاديًا للمهاجرين، وتقوض الحماية، وتترك طالبي اللجوء في حالة من عدم اليقين لفترات طويلة. وانتقد مجلس اللاجئين البريطاني إعلان الحكومة عن السياسة الجديدة. وكتبت المجموعة على موقع "إكس": "الأشخاص الذين تعرضوا للاضطهاد والتعذيب، أو شهدوا مقتل أفراد عائلاتهم في حروب وحشية، ليسوا "متسوقين للجوء"… لا يقارن اللاجئون بين أنظمة اللجوء قبل أن يغادروا هربًا بحياتهم". وأضافت المجموعة: "نعرف سبب قدوم الناس إلى المملكة المتحدة: لأن لديهم عائلات هنا، أو يتحدثون الإنجليزية، أو تربطهم علاقات طويلة الأمد تساعدهم على إعادة بناء حياتهم بأمان". (CNN)