الإثنين, 24 نوفمبر 2025 11:46 AM

تحويل المنافذ السورية إلى وزارة: هل يعزز التجارة أم يعيقها؟ نظرة على الإصلاحات المؤسسية المطلوبة

تحويل المنافذ السورية إلى وزارة: هل يعزز التجارة أم يعيقها؟ نظرة على الإصلاحات المؤسسية المطلوبة

يرى د. سلمان ريا أن قرار تحويل هيئة المنافذ البرية والبحرية في سوريا إلى وزارة مستقلة يمثل تحولاً هيكلياً يتجاوز مجرد تغيير إداري، ويؤثر بشكل مباشر على صياغة القرارات الاقتصادية وإدارة حركة التجارة عبر الحدود. هذا الانتقال، من هيئة فنية ذات مهام محددة إلى وزارة بصلاحيات تشريعية وتنفيذية واسعة، لا يقتصر على حجمه المؤسسي، بل يمتد إلى قدرته على تحسين الكفاءة التشغيلية، وتخفيض تكاليف التجارة، وتوحيد خطاب الدولة أمام القطاع الخاص والشركاء الدوليين. يبدو أن القرار يحمل فرصًا واعدة، ولكنه يثير أيضًا مخاطر مؤسسية تتطلب تقييمًا دقيقًا.

من منظور الاقتصاد المؤسسي، لا يضمن رفع مستوى أي جهاز حكومي تحسين أدائه تلقائيًا. فالوزارات، بطبيعتها، هياكل سياسية بيروقراطية معقدة، تخضع لإجراءات طويلة، بينما تتميز الهيئات الفنية بمرونة وقدرة أكبر على التكيف مع المتغيرات. لذا، قد تؤدي ترقية هيئة المنافذ إلى وزارة، دون إصلاحات موازية، إلى اتساع الفجوة بين متطلبات العمل الحدودي اليومية وتعقيدات الجهاز الوزاري.

يزداد هذا التحدي تعقيدًا بالنظر إلى العلاقة التاريخية بين وزارة الاقتصاد والملفات التجارية والجمركية. لطالما كانت وزارة الاقتصاد مركز الثقل في رسم السياسات التجارية وإدارة التجارة الخارجية. ومع دخول وزارة جديدة، يبرز خطر الازدواج الوظيفي ما لم يتم تحديد المسؤوليات بدقة. هذا التداخل قد يؤثر على حركة البضائع، وزمن الامتثال التنظيمي، وتكاليف التخليص الجمركي، مما يزيد من حالة عدم اليقين في بيئة الاستثمار.

تؤكد الأدبيات الدولية الخاصة بإدارة الحدود المتكاملة (Integrated Border Management) أن تحسين كفاءة المنافذ لا يتحقق بتوسيع الهياكل الهرمية، بل بتطوير إدارة المخاطر، والربط الإلكتروني بين الجهات المعنية، وتوحيد المرجعيات الفنية، واعتماد "النافذة الواحدة" للتجارة الخارجية. هذه الأدوات تقلل التكلفة اللوجستية، وتزيد الشفافية، وتعزز تنافسية الاقتصاد. أما إنشاء وزارة جديدة دون تبني هذه المقاربات الحديثة، فقد يعني إعادة إنتاج البنية القديمة بصورة جديدة.

تعتبر الإدارة الجمركية، بمعناها المهني، الركن الأساسي في ضبط التدفقات التجارية، وحماية الصناعة، وتنظيم الروزنامة الزراعية، وضمان الالتزام بالاتفاقات التجارية. لا يمكن لوزارة جديدة أداء هذه الوظائف دون قدرات جمركية متطورة، ومنظومات بيانات دقيقة، وأدوات تحليل مخاطر واضحة. فالقيمة الاقتصادية لأي جهاز حدودي تقاس بكفاءته التشغيلية قبل أي تصنيف إداري.

لا يمكن فصل هذا القرار عن الوضع الاقتصادي الحالي الذي يتسم بارتفاع تكلفة التمويل، وتذبذب التشريعات، وازدواجية المرجعيات، وطول دورة الإنتاج. لذا، يجب النظر إلى أي تعديل في الهيكل الإداري من خلال سؤال جوهري: هل يقلل عدد نقاط الاحتكاك بين المتعاملين والدولة؟ هل يخفض زمن التخليص؟ هل يجعل البيئة التنظيمية أكثر قابلية للتنبؤ؟ أم يضيف طبقة جديدة من التعقيد؟

بدون إجابة مؤسسية واضحة، سيظل القرار محاطًا بالتساؤلات، في وقت يحتاج الاقتصاد السوري إلى أقصى درجات الانسجام واستقرار السياسات.

مع ذلك، قد يشكل هذا التحول نقطة إيجابية إذا طبق ضمن رؤية متماسكة ترتكز على التخصص الوظيفي، وتعيد ضبط العلاقة بين وزارة الاقتصاد والوزارة الجديدة، وتعتمد بروتوكولات تنسيق دقيقة، وتسرع اعتماد منظومات إدارة المخاطر والحوكمة الرشيقة. بهذه المقاربات، ومع التطور الرقمي والبنية التقنية المناسبة، يمكن للمنافذ السورية أن تتحول من نقطة ضعف في سلاسل الإمداد إلى عنصر قوة يعيد تنشيط التجارة والصناعة والاستثمار.

إن القيمة الحقيقية لأي إصلاح مؤسسي تكمن في تحسين الوظيفة ورفع كفاءتها. إذا أرادت سوريا استعادة مكانتها في شبكات التجارة الإقليمية، فإن الأولوية ليست في تعدد الوزارات، بل في بناء جهاز حدودي حديث، موحد الرؤية، قادر على تقليص الزمن والتكلفة، وإعادة الثقة بمسار التحول الاقتصادي.

(اخبار سوريا الوطن-1)

مشاركة المقال: