الخميس, 27 نوفمبر 2025 11:55 AM

كنز الطاقة المتجددة: استثمار طاقة الأمواج في الساحل السوري لتعزيز أمن الطاقة

كنز الطاقة المتجددة: استثمار طاقة الأمواج في الساحل السوري لتعزيز أمن الطاقة

تعتبر طاقة الأمواج حلاً واعداً لمواجهة التحديات البيئية والاقتصادية المرتبطة بمصادر الطاقة التقليدية. ومع تزايد الحاجة إلى مصادر طاقة بديلة ومستدامة عالمياً، تبرز طاقة الأمواج كخيار جذاب، خاصة في المناطق الساحلية.

تُعد هذه الطاقة، المولدة من حركة البحر، خياراً نظيفاً وآمناً بيئياً، وتتمتع بقدرة كبيرة على توفير إمدادات طاقة مستمرة وموثوقة. يمكن لسوريا، بساحلها الممتد على البحر المتوسط، أن تستفيد من هذا المورد الطبيعي غير المستغل بشكل كافٍ.

يشرح الدكتور المهندس نورس قهوجي، الخبير في مجال الطاقات المتجددة، لصحيفة الحرية، الإمكانيات الكامنة لاستثمار طاقة الأمواج على الساحل السوري، وكيف يمكن أن تسهم في تنويع مصادر الطاقة وتعزيز الأمن الطاقي.

ما هي طاقة الأمواج؟

يعرف د. قهوجي طاقة الأمواج بأنها الطاقة الناتجة عن حركة سطح البحر بفعل الرياح. تتميز هذه الطاقة بخصائص تجعلها أكثر استقراراً وقابلية للتنبؤ مقارنة بالطاقة الشمسية أو طاقة الرياح. كما أن كثافة الطاقة في الأمواج أعلى بكثير لكل متر مربع، ما يعزز الكفاءة الإنتاجية مقارنة بالمصادر الأخرى، لذا فهي خيار جذاب للدول الساحلية.

يمتاز الساحل السوري بامتداده البحري الجيد وأمواجه المنتظمة نسبياً، ما يسهل تركيب محطات طاقة الأمواج. يوضح الدكتور قهوجي أن القاع البحري في بعض المناطق يتمتع بانحدار معتدل، مع وجود مناطق صخرية قرب الشاطئ، ما يساعد على تثبيت الهياكل دون الحاجة إلى أساسات عميقة. الأعماق القريبة من الساحل (20 إلى 40 متراً) توفر أفضلية عملية من حيث الكابلات البحرية وتكاليف الصيانة.

على الرغم من أن متوسط القدرة الموجية على الساحل السوري يتراوح بين 3 و8 كيلوواط لكل متر، وهي قيمة أقل من السواحل الأطلسية، إلا أنها كافية لتشغيل محطات صغيرة ومتوسطة. في الخلجان الطبيعية، يمكن أن تعمل الأمواج كمكبرات طبيعية للطاقة، ما يزيد من قدرتها على إنتاج الكهرباء بنسبة تصل إلى 20%.

دوافع الاهتمام بطاقة الأمواج

يرى الدكتور قهوجي أن طاقة الأمواج من أكثر مصادر الطاقة البحرية استقراراً، لأنها تعتمد على تراكم طاقة الرياح عبر مسافات طويلة في البحر. تعتبر هذه الطاقة مستمرة نسبياً، ما يسهم في تعزيز أمن الطاقة المحلي، وهو حل مهم لسوريا، خاصة في الشتاء الذي يشهد انخفاضاً في إنتاج الطاقة الشمسية. كما أن طاقة الأمواج تُعد من أنظف مصادر الطاقة، إذ لا تنتج انبعاثات أو تلوثاً.

تتسم طاقة الأمواج أيضاً بتكاملها الموسمي مع مصادر الطاقة الأخرى. ففي الشتاء، عندما تنخفض كفاءة الطاقة الشمسية، يمكن لطاقة الأمواج أن تعمل كبديل حيوي، ما يعزز استقرار الشبكة الكهربائية ويقلل من العبء عليها.

خصائص أمواج الساحل السوري

تشير الدراسات إلى أن الطاقة المتاحة لطاقة الأمواج في شرق البحر المتوسط تتراوح بين 3 و8 كيلوواط لكل متر من الواجهة البحرية. هذا يجعل الساحل السوري مناسباً لاستخدام تقنيات حديثة مثل العوامات الملتقطة للطاقة (Point Absorbers) ونظام “Pelamis” الذي يعتمد على المفاصل المتحركة. وتُعد أنظمة عمود الماء المتذبذب (OWC) أيضاً من الخيارات الجيدة، خاصة في المناطق القريبة من الشاطئ حيث تكون الأعماق ضحلة.

يؤكد الدكتور قهوجي أن تقنيات مثل العوامات الصغيرة وأنظمة OWC تعد الأكثر ملاءمة للساحل السوري، خاصة أنها أثبتت فعاليتها في بيئات مشابهة في البحر الأبيض المتوسط، مثل الدنمارك وإسبانيا.

تواجه طاقة الأمواج عدة تحديات تقنية، كما يؤكد قهوجي، مثل التآكل البحري، متطلبات الصيانة المستمرة، وحماية الأنظمة من العواصف. الهياكل البحرية تتعرض لنمو الكائنات البحرية (Biofouling)، ما يستدعي عمليات تنظيف دورية. ويمثل التعامل مع أحمال الأمواج غير المنتظمة تحدياً آخر يتطلب تصميمًا متينًا للأنظمة. نقل الكهرباء من البحر إلى اليابسة يحتاج إلى كابلات بحرية مقاومة للشد والتآكل، وهي مكلفة. ويؤكد أن هذه التحديات قابلة للتغلب عليها باستخدام تقنيات مقاومة للتآكل وتطبيق برامج صيانة منتظمة.

العمر التشغيلي لمحطات طاقة الأمواج

على الرغم من أن التكلفة الأولية لمحطات طاقة الأمواج قد تكون أعلى مقارنة بالطاقة الشمسية أو الرياح، إلا أن تكاليف التشغيل والصيانة على المدى البعيد أقل بكثير. يتراوح العمر التشغيلي لأنظمة طاقة الأمواج بين 20 و30 عامًا، كما أن تكلفة الكيلوواط الساعي تنخفض بشكل ملحوظ مع توسع المحطات، حيث يمكن أن ينخفض السعر بنسبة 20–35% عند الانتقال من مشروع صغير إلى مشروع بقدرة عدة ميغاواطات.

من الجدير بالذكر أن ما بين 40% و60% من مكونات هذه الأنظمة يمكن تصنيعها محليًا، ما يخفض التكلفة ويدعم إنشاء صناعة بحرية محلية.

دور الحكومة والقطاع الخاص

يعتبر الدكتور قهوجي أن طاقة الأمواج من أكثر مصادر الطاقة المتجددة أماناً بيئياً، حيث لا تنتج تلوثاً كيميائياً ولا تؤثر بشكل كبير على البيئة البحرية إذا تم تصميم الأنظمة بشكل مناسب. العوامات لا تعوق مسار الأسماك، والضجيج تحت الماء أقل بكثير من السفن. الأنظمة الساحلية مثل OWC تعمل دون أي تدخل في قاع البحر، ما يلغي التأثير على الأعشاب البحرية والكائنات القاعية.

يلعب القطاع العام دوراً أساسياً في دعم مشاريع طاقة الأمواج عبر تقديم الدعم اللوجستي، تمويل الدراسات الأولية، وترخيص المشاريع. بينما يتمثل دور القطاع الخاص في تصنيع الأنظمة، الاستثمار فيها، وتشغيل المحطات بعد تنفيذها. يشدد الدكتور قهوجي على ضرورة الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص لضمان نجاح واستدامة هذه المشاريع.

التحديات والفرص المستقبلية

رغم وجود بعض الدراسات الأكاديمية التي تشير إلى إمكانية الاستفادة من طاقة الأمواج في سوريا، يرى الدكتور قهوجي أن هذه الدراسات تحتاج إلى تحديث وقياسات ميدانية دقيقة. بالنظر إلى الظروف المحلية، يمكن أن توفر طاقة الأمواج مصدراً إضافياً للطاقة يغطي احتياجات الساحل السوري ويخفف الضغط على الشبكة الكهربائية، خصوصاً في فصل الشتاء.

أشار الدكتور قهوجي إلى أنه إذا تم البدء في مشاريع طاقة الأمواج الآن، فخلال عشر سنوات قد يصبح الساحل السوري “ممرًا للطاقة البحرية”، مع محطات صغيرة عائمة تولّد كهرباء نظيفة وتغذي البلدات الساحلية. كما يتوقع أن يتحقق تقدم ملحوظ في تنظيم الساحل وزيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة.

أحد الابتكارات التي يطمح الدكتور قهوجي لتحقيقها هو دمج طاقة الأمواج مع طاقة الرياح في نفس القاعدة البحرية، ما سيخفض التكاليف ويزيد من الإنتاجية على مدار العام.

فرص واعدة

تمثل طاقة الأمواج فرصة واعدة لتطوير مصادر الطاقة المتجددة في سوريا. إن استغلال هذه الطاقة بشكل صحيح قد يسهم بشكل كبير في تلبية احتياجات الطاقة النظيفة، مع تقليل التأثيرات البيئية وتحقيق الاستدامة على المدى الطويل.

مشاركة المقال: