دلسوز يوسف ـ الحسكة
بعد فترة ركود استمرت حوالي ثلاث سنوات، يشهد قطاع البناء والعمران في مدينة الحسكة انتعاشاً تدريجياً، مع زيادة ملحوظة في حركة بيع وشراء المشاريع العقارية والعمرانية، وذلك على الرغم من التحديات المستمرة المتعلقة بارتفاع أسعار مواد البناء. يعزو المسؤولون وأصحاب المكاتب العقارية هذا الانتعاش إلى حالة الأمن والاستقرار التي تشهدها المنطقة، خاصة بعد سقوط النظام السابق، بالإضافة إلى تسهيلات البلدية في مشاريع التوسعة والاهتمام بالتصميم الهندسي للبناء، بعد أن كانت الأعمال العشوائية هي السائدة في عمليات البناء خلال السنوات الماضية.
استقرار أمني
في حي الكلاسة بالحسكة، يقول حسن أحمد، وهو نجار باطون يعمل في ورشته على بناء منزل جديد، لنورث برس إن وتيرة العمل ارتفعت خلال الأشهر الأخيرة بنسبة تصل إلى 60%. وأوضح أن الاستقرار الأمني كان العامل الرئيسي في تنشيط سوق العمل، قائلاً: "الاستقرار الأمني يحسن وضع البلد كله، وعندما لا يكون هناك استقرار، لا يتوفر العمل أيضاً".
ومع ذلك، يبقى ارتفاع أسعار مواد البناء عائقاً كبيراً أمام السكان، حيث بلغ سعر طن الحديد حوالي 730 دولاراً، بينما وصل سعر طن الإسمنت إلى 110 دولارات، وهو ما وصفه أحمد بأنه "عبء ثقيل على السكان". كما أشار إلى المخالفات التي تفرضها البلدية، والتي تبلغ حالياً عشرة ملايين ليرة سورية (ما يعادل نحو ألف دولار تقريباً)، واعتبر أن تخفيف هذه الغرامات قد يساهم في زيادة عمليات البناء، خصوصاً لمن يرغبون في إضافة غرف أو بناء منازل جديدة.
من جانبه، قال عبدالرحمن صالح، الذي شرع ببناء منزله من جديد، لنورث برس، إن حركة العمران "جيدة طالما يسود الأمن". وأضاف: "الأمان يشجع على العمار والتجارة والزراعة وكل شيء". واتفق صالح مع سابقه على أن ارتفاع أسعار مواد البناء يمثل عقبة أمام كثير من ذوي الدخل المحدود. وقال: "خفض الأسعار أو السماح بالحصول على رخص لفترات أطول يمكن أن يشجع السكان على الترميم والبناء، خصوصاً الذين لا يمتلكون قدرة مالية كبيرة".
تعافي السوق العقاري
بينما لا يخلو حي من مبانٍ جديدة في الحسكة، يقول إدريس خليل، وهو صاحب مكتب عقاري، لنورث برس إن حركة العقار قبل سقوط النظام البائد كانت ضعيفة، وتوقفت عمليات البناء بسبب الحرب والظروف المحيطة بمناطقهم من قبل القوات التركية والمنظمات الإرهابية. وأضاف: "الإدارة الذاتية بدأت بعد سقوط النظام بتقديم تسهيلات وتحسين البنى التحتية، وتم السماح بالبناء حتى خمسة طوابق في الشوارع الرئيسية، بما يتماشى مع المواصفات المعتمدة، وهو ما عكس تحسناً واضحاً مقارنة بالفترة السابقة التي كانت العشوائية تغلب على البناء".
وأشار خليل إلى أن الأسعار مرتبطة بالزيادة في الطلب نتيجة الاستقرار الأمني، موضحاً أنه خلال الشهر الماضي باع أكثر من 10 عقارات بأسعار مقبولة. وقال: "ارتفعت نسبة الشراء بنسبة 70% مقارنة بالفترة السابقة، بعدما كانت حركة البيع والشراء تقتصر على الإيجارات فقط". وأكد صاحب المكتب العقاري أن تحسين حركة العمران يعود إلى انفتاح الإدارة على السكان لبدء البناء ضمن المخطط التنظيمي، بما في ذلك أحياء جديدة مثل "العمران" و"دولاب عويص"، مع إضافة خدمات مثل الطرق والمياه والكهرباء، ما جعلها أكثر جذباً للمشترين، خصوصاً العائدين من الخارج.
إقبال على رخص البناء
بدوره، يؤكد أحمد شيخموس، رئيس قسم الدراسات في بلدية الشعب، لنورث برس أن العام 2025 شهد ارتفاعاً ملحوظاً في الإقبال على رخص البناء، موضحاً: "منحت البلدية منذ بداية العام 66 رخصة، وارتفعت نسبة الموافقات على الطلبات من 60% إلى 75% خلال الأشهر الأخيرة". وأضاف: "مساحة قطعة الأرض القابلة للترخيص أصبحت 150 متراً بدلاً من 120، ما ساهم في زيادة الإقبال على الحصول على تراخيص رسمية، كما أن البناء مسموح حتى الطابق الرابع وفق عرض الشارع".
وعزا شيخموس التوسع العمراني إلى الزيادة السكانية الكبيرة، وعودة عدد من السكان من بقية المحافظات، مؤكداً أن الاستقرار الأمني ساهم بشكل مباشر في تنشيط حركة البناء وتحسين الوضع المعيشي. وبخصوص المخالفات، قال شيخموس إن معظمها يعود لفترة سابقة، وإن الإجراءات الجديدة التي اتفق عليها بالتعاون بين نقابة المهندسين ونقابة المقاولين وبلدية الشعب خففت الكثير منها، ورفعت عدد الطوابق المسموح بها، ما يسهم في تقليل الأعباء على المواطنين وتشجيع المزيد من المشاريع.
تحرير: معاذ الحمد