الجمعة, 5 ديسمبر 2025 11:37 AM

تصعيد إسرائيلي وغارات على الجنوب: هل تتجه القوات الدولية لمحاصرة لبنان شمالاً وشرقاً؟

تصعيد إسرائيلي وغارات على الجنوب: هل تتجه القوات الدولية لمحاصرة لبنان شمالاً وشرقاً؟

مرة أخرى، تذكّر إسرائيل الجميع بموقفها من الحوارات السياسية. فبعد تنازل السلطة اللبنانية بالدخول في مفاوضات مباشرة ذات طابع سياسي، جاء الرد الإسرائيلي بتصعيد عسكري، شمل نشر المسيّرات فوق مناطق في البقاع والجنوب وبيروت، وإرسال إنذارات لسكان قرى محرونة وجباع وبرعشيت والمجادل الجنوبية، قبل شن غارات على منازل مدنية. كما واصلت قواتها قصفها المدفعي لمناطق حدودية وإعاقة عمل موظفي «مؤسسة كهرباء لبنان» في الجنوب.

في بيروت، انشغل الرؤساء الثلاثة بتوضيح «المهمة المحدّدة» للسفير سيمون كرم في لجنة الـ«ميكانيزم»، بينما كان هناك جهد لإبعاد النقاش عن أمر أكثر خطورة، سيكون عنواناً للبحث في الفترة المقبلة، وينطلق اليوم بوصول وفد مندوبي الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي من دمشق، والذي ستنضم إليه المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس الموجودة في لبنان.

من المفترض أن يزور الوفد الجنوب برفقة سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي لتفقّد الأوضاع، خاصة في المناطق الحدودية. وقد عرضت قيادة الجيش اللبناني تقديم برنامج يظهر ما قام به لبنان لتنفيذ القرار 1701.

علمت «الأخبار» أن النقاش الفعلي انتقل إلى مرحلة عزل لبنان أمنياً وعسكرياً، وأن المشروع لا يتعلق بضمانات أمنية على الحدود الجنوبية لوقف الاعتداءات الإسرائيلية، بل بإيجاد مخرج سياسي وعملاني للإبقاء على القوات الدولية التي تنتهي مهامها في الصيف المقبل، من خلال تكليفها بمهمة جديدة: الإشراف على كامل الحدود اللبنانية مع سوريا براً وبحراً، مع الإبقاء على مراقبين عند الحدود الجنوبية.

تقود فرنسا هذا المشروع بجدية، وقد بدأته الموفدة الرئاسية الفرنسية إلى لبنان، آن كلير لوجاندر، في زيارتها الأخيرة، والتي استهدفت عرض «خدمات فرنسا» لإنجاز حوار لبناني – سوري برعاية فرنسية لترسيم الحدود البرية والبحرية بين البلدين.

لكن الحديث يدور عما هو أبعد، فالفرنسيون وأطراف أوروبية أخرى يريدون بقاء قواتهم في لبنان، ويحتاجون إلى غطاء دولي، ولو من الناحية السياسية، مع استعداد «الاتحاد الأوروبي» لتمويل عمل هذه القوات. والأساس هو إقناع لبنان بأنه يحتاج إلى هذه القوات للمساعدة على ضبط الحدود البرية مع فلسطين المحتلة وسوريا.

تُظهِر إسرائيل، التي لا تريد بقاء القوات الدولية في الجنوب، تجاوباً محصوراً في دور لبريطانيا، لتوسيع عمل الجانب البريطاني في بناء أبراج المراقبة على طول الحدود البرية للبنان جنوباً وشرقاً وشمالاً. وقد بدأ العمل بهذا الأمر، وحصلت لقاءات في بيروت والبقاع لتحديد نقاط جديدة لهذه الأبراج. ويصرّ الإسرائيليون على حصر الأمر في الجانب البريطاني، لضمان عدم توجيه هذه الأبراج نحو الجنوب، بل تركيزها على الجانب الشمالي من الحدود.

أورتاغوس تقود وفد مجلس الأمن الدولي في مرحلة جديدة من الضغوط على لبنان، وبريطانيا تباشر توسيع أبراج المراقبة جنوباً وشرقاً وشمالاً.

قد يوافق الأميركيون على انتشار القوة الدولية الجديدة على الحدود مع سوريا، مع تخصيص فرقة مراقبين بعدد لا يتجاوز المئة عنصر، على أن تختار أميركا وإسرائيل هوية الدول التي ينتمون إليها، وتكون لهم مراكز عمل في الجنوب، وفق نفس المبدأ الذي تعمل تحته قوة «الأندوف» في الجولان السوري المحتل.

هناك حماسة كبيرة للأمر في لبنان، خاصة من جانب رئيس الحكومة نواف سلام، الذي أشار إليه في جلسة مجلس الوزراء. وكان سلام قد اطّلع من نائبه الوزير طارق متري على نتائج زيارته لسوريا، وحصيلة بحثه مع الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني في مسألة ترسيم الحدود.

علم سلام أن القيادة السورية أبلغت متري صراحة أنها لا تجد الوقت مناسباً للبحث في ترسيم القسم الخاص بمزارع شبعا المحتلة، وأن دمشق لا تجد حاجة إلى وساطة فرنسية بين سوريا ولبنان لإنجاز ترسيم الحدود البرية.

علمت «الأخبار» من مصدر سوري رسمي أن دمشق «لديها كل الوثائق التي تحتاج إليها لأجل ترسيم الحدود البرية مع لبنان، وأن الأمر يحتاج إلى جهد لأن الحديث لا يتعلق بمناطق غير مأهولة، بل كون أي ترسيم ستكون له موجبات على آلاف المواطنين اللبنانيين والسوريين الذين يعيشون في مناطق متداخلة بين البلدين منذ عشرات السنين، وأن البتّ في الأمر يحتاج إلى ترتيبات خاصة».

وقال المصدر السوري إن دمشق «تفضّل أن لا يتورط لبنان في استقدام المزيد من القوات الأجنبية إلى أراضيه، وإن وجود مثل هؤلاء العناصر على الحدود مع سوريا قد تكون له انعكاسات سلبية على الجميع».

وسأل المصدر السوري عن موقف حزب الله من هذه الخطوة، قائلاً: «نعرف مثلكم، أن الهدف الفعلي لمثل هذا الانتشار، هو التضييق أكثر على حزب الله، وأن سوريا لن تكون أمام مشكلة، حتى في حالة معالجة ملف التهريب على الحدود، لكنّ هناك مشكلة جدّية ستبرز مع حزب الله سياسياً وأمنياً وستكون هناك مشكلة أخرى ذات بعد اجتماعي واقتصادي مع سكان المناطق الشمالية، خصوصاً في عكار».

عون وسلام: بري يعرف بتسمية كرم. تواصل الاهتمام بقرار لبنان تكليف السفير السابق سيمون كرم بترؤّس وفد لبنان إلى المفاوضات القائمة مع إسرائيل عبر لجنة الـ«ميكانيزم».

فيما أصرّت المصادر القريبة من الرئيس نبيه بري على نفي معرفته بقرار تسمية كرم، وأنه كان فقط في أجواء قرار إضافة موظف مدني له دور تقني إلى اللجنة، تعمّد الرئيس جوزيف عون في جلسة الحكومة القول إن قرار تسمية كرم كان بالتنسيق مع بري وسلام. وأشار عون أمام الوزراء إلى أن التشاور لم يقتصر على فكرة إضافة المندوب المدني، بل على اختيار السفير كرم نفسه. وبرّر عون الخطوة بأن لكرم تجربته في المفاوضات مع إسرائيل، على إثْر مؤتمر مدريد، في مطلع تسعينيات القرن الماضي.

عون الذي أبلغ أحد زواره، أنه لم يتشاور مع حزب الله في القرار، قال أمام الحكومة، إنه «لن تكون هناك أي تنازلات عن سيادة لبنان في أي اتفاق مع إسرائيل».

ورأى عون أنه «ليس هناك من خيار آخر سوى التفاوض». وكان لافتاً أن عون تحدّث عن سلام، حينما قال إن رئيس الحكومة «أعطى توجيهات إلى السفير كرم بأنه مُكلّف بالتفاوض الأمني فقط، أي العمل على وقف الاعتداءات الإسرائيلية والانسحاب من النقاط المحتلة وترسيم الحدود وإطلاق سراح الأسرى اللبنانيين فقط، دون أي مهمة أخرى».

عبّر سلام عن استغرابه من محاولة بري التنصّل من مشاركته في تسمية كرم. وقال إن الأمر لا يتم بصورة سرية، ورئيس الجمهورية يتولّى التنسيق مع رئيس مجلس النواب ومع الجميع، مضيفاً أن رفضه عقد اجتماع رئاسي ثلاثي حول الأمر يتعلق بموقفه المبدئي الرافض لإقرار أي إطار يتجاوز اتفاق الطائف.

لكن ذلك لا يعني أن التشاور يجب أن لا يحصل. ونقل زوار سلام عنه أن بري شارك في القرار ليس بصفته رئيساً لمجلس النواب، بل بما يمثّله سياسياً، معتبراً أنه ليس هناك من حاجة إلى التشاور مع الأحزاب الأخرى في الأمر، قاصداً حزب الله، لأن لديه من يمثّله في الحكومة. وكرّر سلام أن لبنان «لا يريد مفاوضات تستهدف التوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل، بل اعتماد الآليات التي تسحب من إسرائيل الذرائع لتجنيب لبنان حرباً جديدة».

بحسب زوار سلام، قال رئيس الحكومة إنه اطّلع شخصياً على الجهود الكبيرة التي يقوم بها الجيش في منطقة جنوب الليطاني، ولكن في حال لم تبادر إسرائيل إلى الانسحاب ووقف الاعتداءات وإطلاق الأسرى، فإن الانتقال إلى المرحلة الثانية من خطة حصر السلاح قد يصبح صعباً.

مشاركة المقال: