جابر الشعيبي: مر عام على التحول السياسي الأبرز في سوريا منذ عقود، حيث بدأت البلاد خطوات نحو الانتقال من منطق الثورة إلى منطق الدولة، ومن الفوضى إلى البحث عن مؤسسات وطنية قادرة على إدارة مرحلة ما بعد السقوط. لم تتوقف سوريا عن إعادة صياغة وجودها السياسي وعلاقاتها الإقليمية، وبرز الدور الخليجي، وتحديداً السعودي والإماراتي والقطري، كأكثر الأدوار تماسكاً ورؤية، والأقدر على تقديم مقاربة واقعية تعيد سوريا إلى محيطها العربي وتمنحها فرصة للعبور نحو استقرار حقيقي.
خلال العام الأول، اعتمدت دول الخليج مقاربة مدروسة تختلف عن المسار السريع الذي اتبعته بعض القوى الإقليمية. سياسياً، فُتحت قنوات ديبلوماسية هادئة مع الأطراف السورية الجديدة، وشاركت العواصم الخليجية في نقاشات عربية مكثفة حول إعادة دمج سوريا في المنظومة العربية، مع التشديد على احترام السيادة وعدم القفز فوق التعقيدات الأمنية. وأسهمت في الدفع نحو تخفيف القيود والعقوبات الدولية لتسهيل عودة دمشق تدريجياً إلى المشهد الإقليمي. ديبلوماسياً وخدماتياً، أعادت دول خليجية فتح بعثاتها القنصلية واستأنفت الرحلات الجوّية المباشرة إلى دمشق، ما أعاد الحركة التجارية والإنسانية وفتح منفذاً لوجستياً مهماً أمام الاقتصاد السوري.
اقتصادياً، تُظهر دول الخليج استعدادها للمساهمة في إعادة الإعمار شرط الاستقرار السياسي والأمني. وقد مثّلت الإمارات مثالاً واضحاً عبر تطوير ميناء طرطوس ضمن استثمار يبلغ 800 مليون دولار، يهدف إلى تحويل المرفأ إلى منصّة لوجستية كبرى. وفي السعودية، جرت اتصالات مع مؤسسات مالية عربية ودولية لوضع إطار لإعمار تُقدّر كلفته بين 250 و400 مليار دولار، مع ربط التمويل بإصلاحات تشمل توحيد المؤسسات وضمان الشفافية. أما قطر، فرفعت مساهماتها الإنسانية والتنموية بنسبة تقارب 25-30%، مع التركيز على دعم المرافق الحيوية وتعزيز المسار الديبلوماسي.
لكنّ مستقبل سوريا لا تحدّده وحدها، بل تحدّده أيضاً دول الجوار والقوى الإقليمية. فتركيا تتحكم بالحدود الشمالية، والأردن ولبنان يواجهان تداعيات اللجوء والأمن المشترك، والعراق وإيران يحتفظان بامتدادات عسكرية وسياسية داخل الأراضي السورية. وترى دول الخليج أن استقرار سوريا يتطلب إرساء علاقة متوازنة مع هذه الدول تقوم على احترام السيادة ومنع استخدام سوريا كساحة نفوذ أو معبر غير شرعي.
في السياق نفسه، تحضر إسرائيل كعامل لا يمكن تجاهله؛ فالغارات الإسرائيلية المتكررة على مواقع مرتبطة بميليشيات إيرانية تجعل من الجنوب السوري نقطة اشتباك مفتوحة. ومن منظور خليجي، فإن نجاح سوريا الجديدة بعدم الانجرار في صراع مع إسرائيل أو السماح بتموضع عسكري يستدرج مواجهات لا تخدم المصلحة الوطنية السورية ولا استقرار المنطقة، يستدعي صياغة قواعد اشتباك واضحة تمنع تحويل سوريا إلى ساحة صراع بالوكالة.
ورغم الخطوات الأولية الجيدة، فإن ما تحقق خلال العام الأول لا يكفي للانتقال من الدعم الحذر إلى الشراكة الواسعة. فمسؤولية دمشق في إنهاء تعدّد القوى المسلحة، وإغلاق الممرات اللوجستية التي استُخدمت لعبور السلاح نحو لبنان أو العراق، ومعالجة ملفّ الكبتاغون، وتفكيك البنى المتطرّفة ومنع إعادة تشكلها، إلى جانب ضمان عودة آمنة للاجئين، وبناء دولة مدنية تواجه الفساد عبر مؤسسات رقابية مستقلة.
على المدى البعيد، تمتلك دول الخليج رؤية تمتدّ بين خمس إلى عشر سنوات، قوامها تحويل سوريا إلى دولة استقرار وتنمية منفتحة قادرة على الاندماج في شبكات التجارة والطاقة والاستثمار العربي. ويرى الخليج أن سوريا التي تنجح في هذا المسار ستصبح خلال عقد دولة مختلفة تماماً، قادرة على استعادة مكانتها ودورها الطبيعي في المنطقة.
لكن يبقى السؤال المفتوح: هل ستتمكن سوريا من تحويل هذا الانفتاح الخليجي إلى عقد جديد من التنمية والاستقرار، أم ستفقد فرصة تاريخية؟
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار