إلغاء عقوبات "قانون قيصر": تحليل اقتصادي لآفاق التعافي وإعادة الإعمار في سوريا


شكل تصويت مجلس النواب الأمريكي على إلغاء عقوبات "قانون قيصر"، وإحالته إلى مجلس الشيوخ تمهيداً لرفعه إلى الرئيس الأمريكي للمصادقة النهائية، محطة مفصلية في مسار الاقتصاد السوري. يرى العديد من الخبراء والمحللين الاقتصاديين أن هذه الخطوة تفتح الباب أمام مرحلة جديدة قائمة على التعاون العربي والإقليمي والدولي، وتعيد رسم المشهد الاقتصادي والمالي للبلاد.
اعتبر الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم قوشجي أن إلغاء قانون قيصر يعيد تشكيل الإطارين القانوني والمالي اللذين كبلا الاقتصاد السوري لسنوات. وأوضح قوشجي، في تصريح لوكالة سانا، أن القرار يشمل فك القيود عن النظام المالي وتعزيز ربط المصارف السورية بشبكة «سويفت»، ما ينهي العزلة المصرفية ويهيئ بيئة قانونية مناسبة لعودة تدفقات الاستثمارات والتمويل الدولي، خاصة في مرحلة إعادة الإعمار.
وحول انعكاسات القرار على الواقع المعيشي، أشار قوشجي إلى أن الأثر سيكون تدريجياً. ففي المدى القريب، يُتوقع تحسّن محدود في توفر السلع واستقرار نسبي للأسعار نتيجة انخفاض تكاليف الشحن والتأمين. أما المدى المتوسط (خلال عام إلى عامين)، فسيشهد تأثيراً إيجابياً على الخدمات الأساسية كالكهرباء والرعاية الصحية، وفرص العمل في قطاعي البناء والخدمات. وتبقى المنعكسات بعيدة المدى مرتبطة بوتيرة إعادة الإعمار وقدرة الاقتصاد على جذب الاستثمارات الإنتاجية، بما ينعكس على الدخل الحقيقي والقدرة الشرائية للمواطنين.
شدد قوشجي على أن التعافي الشامل يتطلب إصلاحات هيكلية عميقة قد تستغرق نحو عقد من الزمن لاستعادة مستويات الناتج المحلي ما قبل عام 2011. وأكد أن خطوة رفع العقوبات، رغم أهميتها، لا تكفي ما لم تترافق مع إصلاح النظام النقدي والمصرفي، ومعالجة تشوهات سعر الصرف، وضبط التمويل غير المنظم، وتحسين بيئة الأعمال عبر قضاء مستقل وتشريعات فعالة لمكافحة الفساد، إلى جانب إصلاح إداري يمكّن المؤسسات من تنفيذ المشاريع الكبرى.
من جهته، أوضح الباحث الاقتصادي كرم خليل أن إلغاء قانون قيصر سيسهم في إعادة فتح القنوات المالية تدريجياً وتخفيض مستويات المخاطر، ما يشجع المصارف والشركات على إعادة تقييم السوق السورية وجعلها أكثر جاذبية للاستثمار بعد سنوات من القيود والعزلة. وأشار خليل إلى أن العقوبات السابقة دفعت النشاط الاقتصادي نحو "اقتصاد الظل" (التهريب والاحتكار)، لافتاً إلى أن رفع القيود يعيد النشاط إلى إطار منظم ويعزز دور الدولة في التخطيط والإشراف.
يرى خليل أن قطاع الطاقة سيكون الأكثر استفادة، كونه المحرك الأساسي للنمو عبر إعادة تأهيل محطات التوليد وتحديث شبكات النقل وتنفيذ مشاريع الغاز والطاقة المتجددة. كما سيتم تنشيط القطاع الصناعي بفضل استقرار الإمدادات وتراجع كلفة الاستيراد، مما يعزز فرص العمل والصادرات. وفي قطاع الاتصالات والتكنولوجيا، يفتح إلغاء العقوبات المجال لتحديث البنية الرقمية ودخول الشركات التقنية العالمية.
ويتوقع الخبراء أن يسجل الناتج المحلي الإجمالي معدلات نمو تصل إلى نحو 4 بالمئة خلال السنوات الثلاث الأولى، لترتفع إلى نحو 6 بالمئة على المدى المتوسط، مدفوعة بتحسن البنية التحتية وتسارع مشاريع الإعمار وتدفق الاستثمارات. كما ستظهر انعكاسات القرار في تحسن تدريجي لسعر الصرف نتيجة زيادة التحويلات الرسمية وارتفاع المعروض من العملات الأجنبية.
حدد الباحث الاقتصادي خليل شروط الاستفادة القصوى من هذه المرحلة، ومنها: تحديث البيئة التشريعية لجذب الاستثمار وحماية رأس المال، وتعزيز الشفافية المالية للحد من اقتصاد الظل، وإعادة هيكلة القطاع العام الإنتاجي، وإطلاق خطة وطنية لإعادة الإعمار تركز على الطاقة والنقل والصناعة والتكنولوجيا، إضافة إلى تعزيز الثقة مع القطاع الخاص.
يُذكر أن مجلس النواب الأمريكي صوّت في الـ 11 من الشهر الجاري بالأغلبية لصالح إلغاء العقوبات المفروضة على سوريا بموجب "قانون قيصر" (الذي أُقرّ في كانون الأول 2019). ويتجه مشروع إلغاء القانون، المتضمن في قانون موازنة وزارة الدفاع الأمريكية، إلى مجلس الشيوخ لتصويت آخر قبل أن يصل إلى مكتب الرئيس الأمريكي للتوقيع النهائي، علماً بأن مضمون الإلغاء شامل ودون أي شروط، ويأتي بعد جهود دبلوماسية مكثفة.
⚠️محذوفاقتصاد وأعمال
⚠️محذوفاقتصاد وأعمال
اقتصاد وأعمال
اقتصاد وأعمال