هجوم تدمر: هل يهدد الاختراق الأمني العلاقة العسكرية الناشئة بين واشنطن ودمشق؟


أثار الهجوم الذي وقع قرب مدينة تدمر وسط سوريا، والذي أسفر عن مقتل وإصابة عسكريين ومدنيين أميركيين، تساؤلات عميقة حول طبيعة التهديدات الأمنية في مناطق نفوذ الحكومة السورية الانتقالية. ويرى مختصون في شؤون الإرهاب والجماعات المتطرفة أن هذا الحادث يمثل تحولاً نوعياً ويكشف عن "اختراق خطير" للأجهزة الأمنية الرسمية.
وكانت القيادة المركزية الأميركية قد أعلنت، السبت الفائت، عن مقتل جنديين أميركيين ومدني أميركي، وإصابة ثلاثة عسكريين آخرين، نتيجة كمين نصبه مسلح من تنظيم "داعش" في تدمر بسوريا. ولا يرى المختصون في هذه الحادثة مجرد واقعة أمنية معزولة، بل يعتبرونها مؤشراً على خلل مؤسسي يثير تساؤلات حول قدرة دمشق على ضبط أجهزتها الأمنية ومنع تغلغل الأفكار المتطرفة داخل مؤسساتها العسكرية والأمنية.
يصف ألبرت فرحات، المختص في شؤون الإرهاب، الهجوم الذي استهدف دورية مشتركة للقوات الأميركية والسورية قرب تدمر بأنه "تحول نوعي في طبيعة التهديدات داخل مناطق الحكومة السورية الانتقالية". ويُوضح فرحات لنورث برس أن "العملية التي نفذها عنصر رسمي سواء من الجيش السوري أو إحدى مؤسسات وزارة الداخلية تمثل تحولاً نوعياً في طبيعة التهديدات داخل مناطق نفوذ الحكومة السورية، فهو ليس حادثة أمنية معزولة، بل مؤشر خطير على خلل مؤسسي واهتزاز الثقة داخل الأجهزة الرسمية".
ويُضيف فرحات أن الحادثة "تكشف عن ضعف منظومة الفحص الأمني والتدقيق الداخلي، خصوصاً في مؤسسات حساسة تتعامل مع أطراف خارجية". ويُشير المختص المقيم في باريس إلى أن طبيعة الهجوم تدل على اختراق في الانضباط العقائدي والمهني لدى أفراد الأجهزة الأمنية الحكومية، مما "يُعيد فتح ملف التطرف داخل المؤسسات الأمنية والعسكرية".
من جانبه، يؤكد منير أديب، الباحث في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، أن عملية تدمر تُعد "عملية نوعية" يقف وراءها تنظيم "داعش"، وتمثل اختباراً لقدرة الأجهزة الأمنية السورية على حفظ الأمن. ويُشير أديب لنورث برس إلى أن "هذا الذئب المنفرد كان ينتمي لقوات الأمن السورية، وهو آمن بأفكار داعش وانضم له وهو داخل قوات الأمن العام ويعمل معهم منذ عشرة أشهر". وقد أكد مصدر أمني سوري أن منفذ هجوم تدمر هو عنصر في جهاز الأمن العام السوري.
ويرى أديب أن المؤشرات تلوح باختراق أجهزة الأمن السورية، وهذا لا يتعلق فقط بقدرة تنظيم داعش على تنفيذ العمل المسلح أو الإرهابي، بل بقدرته على اختراق الأجهزة الأمنية، مما يدل على ضعف هذه الأجهزة وقوة داعش خلال الفترة الحالية أو القادمة. ويتوقع الباحث المقيم في القاهرة "مزيداً من العمليات المسلحة والإرهابية ربما تشهدها سوريا خلال الفترة القادمة".
يطالب ألبرت فرحات دمشق بـ "إعادة هيكلة داخلية محدودة تشمل تطوير آليات التحقق الأمني والفصل بين الوحدات المختلطة، بالإضافة إلى نزع التطرف المؤسسي". ويُجدد ما حدث في تدمر الدعوات داخل الدوائر الأمنية لإطلاق برامج مراقبة فكرية وتدريبية تستهدف العناصر التي خدمت سابقاً في بيئات متأثرة بالتطرف.
ويتوقع فرحات أن يُشدد التحالف الدولي إجراءات التنسيق المسبق ويُقلص الاعتماد على الأجهزة الأمنية السورية في بعض المهام. ويُقارن بين قدرات الطرفين قائلاً: "بالمقارنة تمتلك قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من التحالف قدرة انتشار ومراقبة ميدانية أكثر تطوراً بفضل الدعم التقني والاستخباراتي". ويُضيف أن الحادثة تمثل "اختباراً مبكراً لقدرة دمشق على ضبط أجهزتها بعد مرحلة الهدوء العسكري النسبي، وأي فشل في المعالجة الشفافة سيُترجم إلى تآكل إضافي في الثقة الدولية". ويُعرب المختص في شؤون الإرهاب عن تخوفه من أن تكون حادثة تدمر مقدمة لتقليص دور دمشق في أي صيغة مستقبلية للتنسيق الأمني ضد الإرهاب.
يُذكر أن دمشق انضمت رسمياً إلى التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" الشهر الفائت، وذلك عقب زيارة الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع إلى واشنطن.
من جهته، يرى منير أديب أن "هناك أزمة أصلاً في وجود متطرفين داخل الجيش السوري أو قوات الأمن السورية، لذلك قد لا يكون هذا العمل الإرهابي الأخير". ويُشير إلى احتمال وجود أشخاص لديهم أفكار جهادية سابقة لم يتخلصوا منها، ولم تضمن وزارة الداخلية وجهات الأمن السورية تخليهم عن هذه الأفكار، مما قد يدفعهم لتنفيذ أعمال إرهابية أو أن يكونوا أداة استخباراتية للتنظيم، وبالتالي اختراق الدولة بأجهزتها الأمنية.
ويعتقد أديب أن عملية تدمر لن تؤثر على العلاقة بين دمشق والتحالف الدولي بشكل مباشر، لكنه يُحذر من أنه "في حال تكرار هكذا حوادث سوف يؤدي لأزمة ثقة وربما يجعل التحالف الدولي يُصدر قرارات ضد الحكومة السورية". ويُضيف الباحث في شؤون الحركات المتطرفة أن "قوات سوريا الديمقراطية هي الأجدر بالتعامل مع البادية السورية ضد تنظيم داعش"، مشيراً إلى أن قوات الأمن العام قد تخدم السيطرة على العاصمة وبعض ضواحيها، لكن قسد لديها الخبرة والقدرة للسيطرة على البادية.
سياسة سوريا
سياسة سوريا
سياسة سوريا
سياسة دولي