هجوم تدمر يكشف هشاشة البادية السورية أمنياً.. محللون يحذرون من عودة "داعش" كـ"شبكة مرنة"


يرى محللون ومتابعون أن البادية السورية قد تحولت إلى ساحة رخوة أمنياً، يستغل فيها تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” الفراغات والفوضى لإعادة إنتاج نفسه كشبكة مرنة قادرة على المناورة والاختفاء ثم الضرب والانسحاب. ويشير هؤلاء إلى أن البيئة الحالية، التي تتسم بتعدد القوى المسلحة وتضارب الأولويات وغياب التنسيق الحقيقي، تخلق أرضية مثالية لعودة التنظيم، خاصة في ظل معاناة مؤسسات الدولة من اختلالات بنيوية وتنظيمية تحد من قدرتها على فرض سيطرة فعلية أو بناء جهاز أمني موحد. ووفقاً للمتابعين، فإن هذا الواقع يضع تحديات جدية أمام دمشق التي تسعى لإقناع السوريين والمجتمع الدولي بأنها قادرة على حماية البلاد وإرساء أسس الاستقرار.
يعتقد ديميتري بريجع، وهو محلل سياسي روسي، أن الهجوم الذي وقع قرب مدينة تدمر وسط سوريا، والذي أسفر عن مقتل جنديين أميركيين ومدني أميركي وإصابة ثلاثة عسكريين آخرين، يُعيد إلى الذاكرة حقيقة أن تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” لم يعد دولة كما كان، بل تحوّل إلى شبكة مرنة تستثمر الفراغات الأمنية. ويقول بريجع في تصريح لنورث برس إن: “المشكلة اليوم لا ترتبط فقط بمن يمسك الأرض، بل بقدرة السلطة الحالية على بناء دولة يشعر المواطن أنها تحميه، بجهاز أمني موحد، وقانون واحد، وسلسلة قيادة واضحة”.
ويوضح بريجع أن استمرار تعدد القوى المسلحة وتضارب الأولويات وغياب التنسيق الحقيقي يخلق “بيئة مثالية لعودة داعش، خصوصاً في البادية حيث الجغرافيا المفتوحة تمنح التنظيم قدرة على المناورة والاختفاء ثم الضرب والانسحاب”.
من جانبه، يقول سيروان قجو، وهو صحفي يقيم في واشنطن، إن البادية السورية طالما شكلت ساحة أساسية لنشاط تنظيم “داعش”، خاصة بعد الهزيمة العسكرية التي مني بها التنظيم الإرهابي في عام 2019. ويُضيف قجو في تصريح لنورث برس أن نشاط التنظيم شهد تصاعداً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية عقب سقوط نظام الأسد، مستفيداً من الفراغ الأمني ووجود مساحات واسعة لا تخضع لسيطرة فعلية لقوات الحكومة السورية الانتقالية.
ويرى قجو أن “الأخطر من كل ذلك أن هذه القوات تعاني من اختلالات تنظيمية وبنيوية داخل مناطق نفوذها، ما يحد من قدرتها على التحول إلى طرف جاد وفعال في مكافحة داعش”. ويشير الصحفي إلى أن هذه الإشكاليات تعود إلى جملة من الأسباب، أبرزها وجود جماعات جهادية وعناصر متشددة ضمن الجيش الجديد، وهي نفسها التي شاركت في الحملة التي أفضت إلى سقوط نظام الأسد، وانضمام أعداد غير معروفة بدقة إلى صفوفه.
يعتبر المحلل السياسي الروسي، ديمتري بريجع، أن ملف المقاتلين الأجانب ضمن الجيش السوري “يبقى عقدة داخلية لأنه يعقد فكرة الشرعية الوطنية الجامعة ويزيد الحساسية بين الناس والمناطق، وخارجياً لأنه يفتح الباب أمام تشكيك دولي واستنزاف سياسي وأمني لأي مسار جدي للاستقرار”. ويرى بريجع أن “جيوب داعش في البادية ليست مجرد ظاهرة عسكرية، بل نتيجة خلل عميق ضعف الدولة، هشاشة الخدمات، ممرات تهريب، وحدود رخوة. التنظيم يعيش على هذه الظروف وعلى تعب الناس وخوفهم أكثر مما يعيش على قوة عسكرية تقليدية”.
ويحذر بريجع من تكرار الهجمات إذا بقيت البادية رخوة أمنياً، وإذا بقيت الأولويات موزعة بين صراع نفوذ بدل عمل استخباراتي وملاحقة فعالة وحضور ميداني مستمر. ويُشير إلى أن استهداف القوات الأميركية أو قوات التحالف الدولي من قبل “داعش” غالباً يهدف إلى إثبات الوجود، وإرسال رسالة إعلامية، ومحاولة ضرب التحالف في لحظة إعادة التموضع السياسي، حتى لو كانت قدراته محدودة على الأرض.
يؤكد بريجع أن أي سلطة تريد أن تقنع السوريين والمجتمع الدولي بأنها قادرة على حماية البلد، “تحتاج خطوات ملموسة تتمثل في توحيد القرار الأمني وضبط السلاح خارج المؤسسات، ومعالجة ملف المقاتلين الأجانب بجدية، وتحويل البادية من فراغ إلى مساحة مراقبة وسيطرة مستدامة، بالتوازي مع تحسين ظروف الحياة لأن الأمن الحقيقي يبدأ عندما يشعر الناس أن حياتهم ليست رهينة المفاجآت والخوف”.
في المقابل، يقول الصحفي سيروان قجو إن وزارة الداخلية السورية أقرت بوجود عناصر منتسبة مؤخراً تنحدر من خلفيات متطرفة، وعلى الأرجح هذه العناصر لها ارتباطات عضوية أو إيديولوجية مع داعش. ويشدد قجو على أن الحكومة السورية الانتقالية لم تتمكن حتى الآن من بلورة “عقيدة وطنية تؤسس لجيش محترف، بل أظهرت التطورات في الأشهر الماضية أن الجيش ما زال يتصرف بعقلية ميليشاوية وبمنظور طائفي ضيق”. ويختتم محذراً: “إذا ما استمرت هذه المعطيات لن تكون دمشق قادرة بأي شكل من الأشكال على لعب دور الشريك الفاعل في محاربة داعش رغم انضمامها رسمياً إلى التحالف الدولي ضد التنظيم”.
⚠️محذوفسياسة سوريا
سياسة سوريا
سياسة سوريا
سياسة سوريا