الاقتصاد السوري بعد عام من رحيل الأسد: استقرار سعر الصرف وتفاقم الأعباء المعيشية


باريس — بينما يستعرض السوريون عاماً كاملاً بدون نظام الأسد، يحتل الاقتصاد صدارة اهتمامات الكثيرين، حيث تدور النقاشات اليومية حول سعر صرف الليرة، وقوتها الشرائية، وارتفاع الأسعار مقارنة بالدخل. ورغم أن العام الماضي جلب استقراراً اقتصادياً نسبياً وتحسناً ملحوظاً في سعر صرف الليرة السورية (SYP)، إلا أن الأعباء الاقتصادية لا تزال تثقل كاهل السوريين. ويبقى السؤال دون إجابة حاسمة حتى الآن: هل تحسنت الظروف الاقتصادية اليومية أم أن الأزمة تتعمق؟
في أعقاب سقوط النظام في 8 كانون الأول 2024، تحول الاقتصاد السوري «من الانهيار المستمر إلى الاستقرار النسبي»، حسبما صرح الباحث الاقتصادي مناف قومان لـ «سيريا دايركت». وأضاف قومان: «الاقتصاد يتحسن ببطء، لكننا بحاجة إلى مزيد من الوقت وإدارة أكثر إحكاماً للسياسات الاقتصادية لتحفيز الاقتصاد». وأشار إلى أن «معدل التدهور تباطأ، وظهرت علامات نمو إيجابي في بعض القطاعات، خاصة التجارة».
في الوقت نفسه، يظل الاقتصاد «مقيداً بقيود هيكلية، مثل النقص الحاد في رأس المال المادي بسبب تدمير البنية التحتية، والهجرة واسعة النطاق للخبرات ورأس المال البشري، وهياكل الملكية المشوهة، وعسكرة الاقتصاد خلال سنوات الحرب، والأهم من ذلك، ضعف تحصيل الضرائب».
في 8 كانون الأول، احتفل أبو ستيف بمرور عام على انتهاء حكم عائلة الأسد الذي دام 54 عاماً، وذلك في المخيم البدائي الذي يعيش فيه مع زوجته وأطفاله بالقرب من الحدود السورية التركية في محافظة إدلب. بالنسبة له، «أصبح الوضع أسوأ بعد التحرير، لأن العديد من المنظمات توقفت عن العمل في المخيم»، كما قال لـ «سيريا دايركت». قبل عام، حلم أبو ستيف بالعودة إلى منزله، لكنه وجده «مدمراً بالكامل» وعاد أدراجه. اليوم، يعبر أبو ستيف عن سعادته بـ «تحرير سوريا» لكنه يواجه واقع «عدم وجود سقف يحميني وعائلتي من برد الشتاء».
في المقابل، شهد آخرون تحسناً في أوضاعهم. ففي محافظة درعا الجنوبية، شعر الموظف الحكومي أبو وسيم بتحسن ملحوظ خلال العام الماضي. وقال لـ «سيريا دايركت»: «أصبح بإمكاننا أن نعيش مثل العديد من السوريين – أن نأكل اللحم مرة واحدة في الأسبوع، وأن نذهب للتسوق ونشتري بعض الأشياء التي نحتاجها». يحصل أبو وسيم، وهو موظف في القطاع العام شمال درعا، على 1.1 مليون ليرة سورية (99 دولاراً) شهرياً، بعد أن رفعت الحكومة الجديدة أجور العاملين والمتقاعدين في القطاع العام بنسبة 200% في حزيران. وإلى جانب وظيفته الحكومية، يعمل أبو وسيم في ورشة لتركيب الأسلاك الكهربائية المنزلية، ويكسب حوالي 2 مليون ليرة سورية (165 دولاراً) شهرياً. قبل سقوط النظام، كان دخله من الوظيفتين معاً لا يتجاوز مليون ليرة سورية (حوالي 83 دولاراً بسعر الصرف المحسن الحالي).
وأضاف أبو وسيم أن «السلع أصبحت متوفرة» في الأسواق المحلية، وهو «إنجاز يجب شكر الحكومة الجديدة عليه».
يبلغ سعر صرف الليرة السورية اليوم 12,100 ليرة مقابل الدولار الأمريكي، بعد أن كان قد هوى إلى مستوى غير مسبوق بلغ 19,000 ليرة للدولار قبل أيام قليلة من سقوط النظام في كانون الأول الماضي. ومع تحسن قيمة الليرة تدريجياً خلال العام، بدأت أسعار السلع والخدمات في الانخفاض. ومع ذلك، يرى أبو المجد الكردي، صاحب متجر للمفروشات المنزلية في مدينة إنخل شمال درعا، أن «الأسعار لم تنخفض بنفس مقدار انخفاض الدولار، ولا تزال أعلى من مستوياتها الحقيقية والطبيعية». وأكد الكردي أن «الوضع الاقتصادي تحسن بشكل واضح مقارنة بالسنوات السابقة، لكن الوضع لا يزال صعباً ويفوق إمكانيات المواطن العادي».
وعزا الباحث قومان تعافي الليرة إلى عوامل متعددة، منها «تحسن البيئة السياسية وانفتاح العالم على سوريا، ورفع العقوبات الغربية، وانتهاء القتال وتوقع استمرار الأمن والاستقرار في المستقبل». كما أشار إلى أن بعض التحويلات المالية التي يرسلها السوريون في الخارج تدخل الآن «عبر القنوات الرسمية بدلاً من السوق السوداء، بسبب تضييق الفجوة بين أسعار الصرف». ولفت أيضاً إلى فعالية أكبر للبنك المركزي و«زيادة المعروض من الدولار في السوق، مما ساعد في تأمين التمويل اللازم للواردات». كما لعبت مشاركة «المؤسسات الدولية وبعض الدول العربية، مثل قطر والسعودية، في تمويل احتياجات الاقتصاد السوري» دوراً في ذلك.
لكن قومان حذر من أن هذا التحسن في الليرة «لم ينتج عن قوة إنتاجية داخلية»، ولا يمكن اعتباره «استقراراً شاملاً للعملة إذا لم يرافقه نمو حقيقي في إنتاج السلع والخدمات للتصدير، وتحسين بيئة الأعمال، وجذب استثمارات حقيقية طويلة الأجل». ووصف التحسن الحالي بأنه «مؤشر رمزي ومهم للاقتصاد الكلي، لكنه لا يترجم بالضرورة إلى تحسن في حياة الناس».
في 11 تشرين الثاني، حددت وزارة الطاقة السورية أسعار المشتقات النفطية بالدولار الأمريكي، حيث تم تسعير أسطوانة الغاز المنزلي بـ 10.50 دولارات، أو 127,000 ليرة سورية بسعر الصرف الموازي. وبالمقارنة، كانت أسطوانة الغاز المدعومة عبر نظام البطاقة الذكية التابع لنظام الأسد تكلف 30,000 ليرة سورية.
وقالت ابتسام سالم، التي تعيش في العاصمة دمشق، لـ «سيريا دايركت»: «أصبح السعر باهظاً، ومن الصعب تدبير الأمور. الوقود والغاز وكل شيء متوفر، لكن بأسعار مرتفعة لا يمكننا دفعها. [سعر] أسطوانة الغاز ارتفع من 30,000 ليرة إلى 130,000 ليرة». أما بالنسبة لأبو المجد الكردي، فقد أصبح «توفر الغاز واستقرار سعره أفضل بكثير»، حيث كان يضطر في السنوات الماضية إلى «شراء أسطوانة الغاز عدة مرات من السوق السوداء بمبلغ 600,000 ليرة». كما ارتفع السعر الرسمي للمازوت والبنزين، حيث حددت وزارة الطاقة سعر لتر البنزين 90 أوكتان بـ 0.85 دولار (10,200 ليرة سورية) والمازوت بـ 0.75 دولار (9,000 ليرة سورية).
كما ارتفع سعر ربطة الخبز إلى 4,000 ليرة سورية (0.33 دولار)، مقارنة بـ 500 ليرة عبر نظام البطاقة الذكية. ورغم ارتفاع سعر الخبز، إلا أنه «متوفر في أي وقت»، حسب الكردي، الذي يرى أنه لا يمكن مقارنة الأسعار الحالية بأسعار السلع المدعومة عبر البطاقة الذكية، لأن «المخصصات لم تكن كافية، وكان الناس غالباً ما يضطرون لشراء الخبز [غير المدعوم] بأضعاف السعر المدعوم».
إذا كانت الحياة صعبة في دمشق والمدن الكبرى الأخرى، فإن الوضع بالنسبة لمن بقوا في مخيمات النزوح الشمالية «أكثر صعوبة مما كان عليه في الأشهر الأخيرة قبل سقوط النظام»، كما قال أبو ستيف. ففي المخيمات، توقف أو تراجع الدعم من المنظمات منذ كانون الأول الماضي، ويرجع ذلك جزئياً إلى تخفيضات التمويل الدولي. وقبل سقوط النظام، كانت عائلة أبو ستيف تتلقى مياه الشرب والاستخدامات الأخرى مجاناً مرة كل خمسة أيام، أما اليوم، فيضطر إلى «شراء صهريج ماء بتكلفة 300 ليرة تركية كل 15 يوماً»، أي حوالي 14 دولاراً شهرياً للمياه وحدها.
في المقابل، ازداد عمل أبو وسيم في تركيب الكهرباء خمسة أضعاف مقارنة بالعام الماضي، ولديه زبائن «ينتظرون في الطابور لمدة تصل إلى الشهرين المقبلين»، مما يدل على أن «النشاط الاقتصادي في درعا كان جيداً منذ أشهر». ووافق الكردي، في المحافظة نفسها، على ذلك، مشيراً إلى أن مبيعات متجره ارتفعت هذا الشهر، وأن مبيعاته خلال العام الماضي كانت أربعة أضعاف ما كانت عليه قبل سقوط النظام. وأضاف الكردي أن «إعادة إعمار المنازل وإصلاحها حفز النشاط في معظم القطاعات والحرف الأخرى»، مشيراً إلى أن «هناك نشاطاً اقتصادياً ممتازاً في إنخل».
كما أدى زيادة ساعات خدمة الكهرباء إلى تحسين الوضع الاقتصادي والتجاري، حيث تأتي الكهرباء الآن بمعدل أربع أو خمس ساعات مقابل كل ساعة انقطاع خلال النهار، وقد يصل الإجمالي إلى «ما بين 15 و 16 ساعة في اليوم».
لكن ما يراه الكردي بتفاؤل، تراه سالم في دمشق بقلق، حيث تخشى أن تؤدي زيادة ساعات الكهرباء إلى زيادة فواتيرها، خاصة بعد إعلان الحكومة عن أسعار جديدة للكهرباء في تشرين الأول. ورغم أن الكهرباء متوفرة، إلا أنها «لا تستطيع استخدامها بشكل طبيعي» بسبب محاولتها لترشيد الاستهلاك. كما انخفض دخل مركز التعليم الخاص الذي تديره سالم هذا العام، بينما زادت رواتب المعلمين الذين توظفهم، بالإضافة إلى ارتفاع إيجار منزلها في تشرين الثاني من 1.5 مليون إلى 2.5 مليون ليرة سورية (207 إلى 248 دولاراً). وتعتمد عائلتها على التحويلات المالية من الأقارب في أوروبا، ورغم ذلك، «نحاول خفض نفقاتنا واستهلاكنا».
منذ الثمانينات، تبنى نظام الأسد سياسات اقتصادية عمقت الفساد. وعندما اندلعت الثورة السورية عام 2011، تحول اقتصاد البلاد من حكم الأقلية إلى «اقتصاد حرب». وشهدت السنوات التالية أزمة اقتصادية مستمرة، حيث انهار سعر الصرف وسط ارتفاع الفقر والبطالة.
قال الباحث قومان إن «أهم تغيير بعد سقوط النظام السابق هو تحرير الاقتصاد واعتماد سياسات السوق الحر». ومع ذلك، يرى أن هذا التحول «ليس القرار الأفضل لبلد خارج من صراع، نظراً للتشوهات العديدة التي تؤثر على الاقتصاد». ويقترح قومان نهجاً أكثر ملاءمة يتمثل في «تنفيذ السياسات تدريجياً واعتماد تدابير حمائية على المستويين القطاعي والاجتماعي».
تحسنت القوة الشرائية «نسبياً» بعد سقوط النظام، بسبب زيادة الاستقرار و«التحسن الجزئي في إمدادات السلع والخدمات – مثل الكهرباء والوقود والنقل والسلع الأساسية – إلى جانب تباطؤ تضخم الأسعار والتحسن النسبي لليرة»، كما أوضح قومان. وأضاف أن «حدة اضطرابات السلع والأسعار الجامحة تراجعت في بعض المناطق. وانخفضت بعض التكاليف المتعلقة بالمخاطر الأمنية، مثل الرشاوى عند نقاط التفتيش».
ومع ذلك، لا تزال نسبة كبيرة من السوريين تعيش تحت خط الفقر، وتعتمد بشكل كبير على المساعدات الإنسانية والتحويلات من الخارج، بينما «شبكات الحماية الاجتماعية الرسمية ضعيفة ومجزأة ولا تغطي تأثير التضخم على الأجور المنخفضة».
يرى الباحث قومان أن استمرار التحسن الاقتصادي يعتمد على ضمان الاستقرار و«تجنب العودة إلى التصعيد العسكري واسع النطاق»، مما «سيرسل إشارة أقل سلبية للمستثمرين المحليين والأجانب، ويقلل من تكاليف النقل والتأمين، ويشجع التجارة الداخلية».
وهناك مؤشرات إيجابية أخرى، مثل التوسع التدريجي في التعاون الدولي مع سوريا من خلال عودة المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، والمشاركة الدولية في مشاريع البنية التحتية والكهرباء والتنمية المحلية بعد تخفيف العقوبات. ويستمر تدفق المساعدات الإنسانية والتنموية من الاتحاد الأوروبي ودول الخليج، «وإن كان بشروط سياسية». وحذر قومان من أن «الفشل في ترجمة التحرير إلى حوكمة أكثر شمولاً وعدالة قد يؤدي إلى عودة التوترات أو الاحتجاجات»، كما أن «استمرار اقتصاد النخب والأوليغارشية والمقربين، مع استمرار الشبكات التي جمعت الثروة خلال الحرب في امتلاك مفاتيح الاقتصاد – الموانئ، عقود إعادة الإعمار، التجارة الخارجية – سيعيد إنتاج اقتصاد ريعي يحتكر المنافع ويستبعد الأغلبية».
في درعا، يرى أبو المجد الكردي أن إحدى طرق تحفيز الاقتصاد المحلي هي زيادة إضافية في رواتب القطاع العام والمعاشات التقاعدية، لترتفع إلى 300 دولار شهرياً على الأقل، وهو «الحد الأدنى للمعيشة». أما أبو ستيف، فدعا السلطات إلى «تقديم الدعم والمساعدة لسكان المخيمات، خاصة فيما يتعلق بالإصلاح وإعادة الإعمار»، وإعادة «الموظفين المنشقين في القطاع العام» إلى وظائفهم.
⚠️محذوفاقتصاد وأعمال
⚠️محذوفاقتصاد وأعمال
اقتصاد وأعمال
اقتصاد وأعمال