د. سليمان مهنا يكتب: النصر والتحرير في سوريا.. استعادة الكرامة وعهد بناء المستقبل العادل


في صباحٍ جديد تشرق فيه دمشق بوجهٍ يرفض الانحناء، ينبض القلب السوري بفرحٍ عميق يمتزج فيه الفخر بالامتنان. تهمس أزقة المدينة القديمة بأن الحرية لم تعد مجرد حلم، بل واقعٌ كُتب بعرق الرجال الذين صانوا كرامتهم. إن الانتصار هنا يحمل أكثر من معنىً عسكري أو سياسي؛ إنه يمثل استعادة للكرامة الوطنية المهدورة.
هذه اللحظة التاريخية ليست عابرة في سجل التاريخ، بل هي إعلانٌ صريح بعودة الذات الوطنية وتأكيد على أن الشعب هو مصدر القوة والشرعية، وأن الاستبداد لا يملك أن يطفئ نور الإرادة مهما طال أمده. في ذكرى النصر والتحرير، تختلط في شوارع دمشق رائحة الياسمين بذكريات الألم، وتعلو أصوات التكبيرات والفرح كأنها نداءٌ جماعي. كل شارعٍ استعاد سلامته، وكل بيتٍ عاد إليه ضحك الأطفال، هو شهادة حية على صمودٍ لا يلين.
حقّ لنا في ذكرى النصر والتحرير أن نحتفل ونفخر، احتفالاً لا يمحو الجراح، ولكنه يمنحها معنىً ويحولها إلى عهدٍ لبناء مستقبلٍ أفضل. تتجلى قيمة الإنجاز ليس فقط في زوال قيدٍ أو سقوط نظامٍ، بل في فتح نافذة واسعة نحو مستقبلٍ ممكن، تُبنى فيه مؤسساتٌ عادلة، ويُستعاد فيه القانون ليكون حارساً للحقوق لا أداةً للقمع.
يجب أن يصبح التعليم طريقاً لإعداد أجيالٍ قادرة على الابتكار والإدارة، وأن يكون الاقتصاد محركاً يضمن كرامة العيش وفرص العمل، وتصبح العدالة الاجتماعية قاعدةً لا استثناءً. إن الفخر الذي يملأ صدورنا هو فخرٌ بالتضحيات التي قُدمت بالدماء والدموع، وهو أيضاً التزامٌ جماعي بأن لا تضيع تلك التضحيات في صراعاتٍ داخلية أو انتقامٍ أعمى. الفرح لا يمحو الجراح لكنه يمنحها معنىً ويحولها إلى طاقةٍ للبناء، وإلى التزامٍ بتحويل الانتصار إلى واقعٍ مستدام.
تتطلب المهمة العظيمة التي أمامنا حكمةً في القيادة وصدقاً في النوايا، وتكاتفاً شعبياً يتجاوز الانقسامات القديمة. فالوحدة الوطنية ليست مجرد شعارات تُرفع في لحظات الاحتفال، بل هي عملٌ يومي يبدأ بالحوار الصادق، والاعتراف بالآلام، وبرامج المصالحة القائمة على العدالة والمساءلة، وخطة متكاملة لإعادة الإعمار تشمل البشر قبل الحجر.
إن بناء الدولة الجديدة يستلزم مؤسساتٍ قوية، ومجتمعاً مدنياً فاعلاً، وقضاءً مستقلاً، واقتصاداً مرناً يدعم المشاريع الصغيرة ويشجع الاستثمار المنتج، ويرتكز على التعليم والبحث العلمي. كما يتطلب سياساتٍ اجتماعيةً تعيد توزيع الفرص وتمنح كل مواطنٍ حقه في المشاركة والكرامة. في هذا المسار، تصبح المشاركة الشعبية واجباً لا خياراً، فالمبادرات المحلية ومنظمات المجتمع المدني هي العمود الفقري لعملية التعافي.
ولأن الأمل وحده لا يكفي، علينا أن نترجم مشاعر الفرح والفخر إلى خطواتٍ عملية: خطط تعليمية طويلة الأمد، برامج اقتصادية تشجع الإنتاج وتدعم رواد الأعمال، آليات للعدالة الانتقالية تحفظ الحقوق وتمنع الإفلات من العقاب، ومشروعات بنية تحتية تعيد للمدن حيويتها. إن تحرير سوريا هو بداية فصلٍ جديد يمنح السوريين فرصة نادرة لإعادة كتابة مصيرهم بيدٍ واعيةٍ ومسؤولة. إذا اجتمع الشعب على هدفٍ واحد، وتحلت القيادة بالحكمة والشفافية، وانخرطت كل فئات المجتمع في عملٍ بنّاء، فسيكون هذا الانتصار بداية عهدٍ يليق بطموح السوريين وأحلام أبنائهم، عهدٌ تُستعاد فيه الكرامة وتُبنى فيه الدولة على أسس الحرية والعدالة والاحترام المتبادل. عاشت سوريا، وسقط الاستبداد!
(المقال بقلم: د. سليمان مهنا)
سياسة سوريا
⚠️محذوفسياسة سوريا
سياسة سوريا
سياسة سوريا