الهجوم "الداخلي" في سوريا يضع الوجود الأمريكي على المحك ويهدد الثقة بالقيادة الجديدة


شكّل الهجوم الذي نفّذه عنصر من تنظيم "داعش" الإرهابي على اجتماع أمني مشترك بين قوات أمريكية وسورية في 13 ديسمبر/كانون الأول 2025 صدمة عميقة في واشنطن ودمشق على حد سواء. تكمن خطورة هذا الحادث في كونه ليس فقط أول هجوم قاتل يستهدف القوات الأمريكية منذ سقوط نظام بشار الأسد، بل في حقيقة أن المنفّذ كان عنصراً منتسباً رسمياً إلى قوات الأمن الداخلي السورية، ويعمل ضمن بيئة يُفترض أنها "صديقة" للقوات الأمريكية.
وقع الهجوم في اجتماع تنسيقي مخصّص لمكافحة تنظيم "داعش"، مما يعني أنه حدث في سياق يُفترض فيه أعلى درجات الثقة الأمنية. وهذا يجعله نقطة تحوّل مفصلية في تقييم المخاطر الأمريكية داخل سوريا. يكشف الحادث أن الخطر لم يعد محصوراً في هجمات خارجية أو كمائن معادية؛ بل أصبح "خطراً داخلياً" نابعاً من قوى شريكة أو متعاونة.
يعزّز هذا الهجوم تعزيزاً مباشراً التيار الأمريكي الداعي إلى تقليص أو إنهاء الوجود العسكري في سوريا. فوجود نحو ألف جندي أمريكي بات يُنظر إليه، ليس فقط بوصفه امتداداً لمهمة انتهت عملياً بعد إعلان هزيمة "خلافة داعش" عام 2019، بل بوصفه وجوداً عالي المخاطر في بيئة غير مستقرة مؤسسياً وأمنياً. من منظور أمني، يُعد هذا النوع من التهديدات الأكثر كلفة وخطورة في العقيدة العسكرية الأمريكية؛ لأنه يتجاوز إجراءات الحماية التقليدية.
سياسياً، يعزّز الهجوم الحجج التي طرحتها مراكز أبحاث أمريكية، مثل معهد "كاتو"، والتي ترى أن الوجود العسكري الأمريكي في سوريا ما عاد يحقق مكاسب استراتيجية واضحة، مقابل تعريض حياة الجنود الأمريكيين لمخاطر غير مبررة. ومن المرجّح أن يُستخدم هذا الحادث لدفع نقاشات داخل الإدارة الأمريكية والكونغرس في تقليص القوات أو إعادة نشرها، أو حصر الدور الأمريكي في مهام استخباراتية محدودة، إضافة إلى إعادة تقييم جدوى الدوريات والعمليات المشتركة مع القوات السورية.
جاء الهجوم في لحظة شديدة الحساسية للعلاقة بين واشنطن ودمشق، بعد انضمام سوريا رسمياً إلى التحالف الدولي ضد "داعش"، وزيارة رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع البيت الأبيض، وما رافق ذلك من انفتاح أمريكي واسع. كون منفّذ الهجوم عنصراً في قوات الأمن السورية يضع القيادة الجديدة أمام اختبار مصداقية حقيقي. ففي واشنطن، لا يُقرأ الحادث بوصفه واقعة أمنية معزولة؛ بل بوصفه مؤشراً على هشاشة عملية بناء مؤسسات الدولة، ولا سيما الأجهزة الأمنية.
من جانبها، سارعت دمشق إلى إدانة الهجوم وتأكيد التزام التعاون في مكافحة الإرهاب. غير أن الاعتراف بأن المنفّذ كان مصنّفاً داخلياً صاحب أفكار متطرفة، وكان من المقرر فصله لاحقاً، أضعف الموقف السوري بدلاً من أن يعزّزه؛ إذ كشف ذلك أن الخلل كان معروفاً مسبقاً، ولم يُتخذ إجراء فوري لمعالجته، وهذا أبقى عنصراً مشكوكاً بولائه مسلّحاً وقريباً من قوات أمريكية. هذا الواقع يقوّض الثقة الأمريكية بالقدرة الفعلية للقيادة الجديدة على ضبط أجهزتها الأمنية، حتى وإن لم تكن نياتها السياسية معادية.
في أعقاب الحادث، سعى الرئيس دونالد ترامب إلى الفصل بين الهجوم والدولة السورية الجديدة، مؤكداً أن "داعش هو المسؤول"، وأن "الحكومة السورية والرئيس الجديد قاتلوا إلى جانبنا". ويظهر هذا الموقف رغبة البيت الأبيض في الحفاظ على قنوات التواصل مع دمشق، وعدم تقويض مسار التعاون الوليد في مكافحة "داعش"، وربما أيضاً تجنّب ترك فراغ قد تملؤه قوى إقليمية منافسة لواشنطن.
غير أن هذه التصريحات حملت إشكالية واضحة؛ إذ إنها منحت قدراً من الثقة السياسية قبل اكتمال التحقيقات واستيعاب طبيعة الهجوم. فقد تبيّن لاحقاً أن الخطر أتى من داخل القوات السورية نفسها، لا من اختراق خارجي. وبذلك، يجمع الموقف الأمريكي بين طمأنة سياسية في العلن، وتحفّظ أمني متزايد في الكواليس.
سياسة سوريا
سياسة سوريا
اقتصاد وأعمال
سياسة سوريا