العولمة الرقمية: تحولات اجتماعية متسارعة وتحديات الحوكمة والفجوة الرقمية


هذا الخبر بعنوان "العولمة الرقمية تعيد تشكيل المجتمعات الحديثة" نشر أولاً على موقع sana.sy وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ١٧ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
تشهد المجتمعات حول العالم تحولات اجتماعية متسارعة بفعل العولمة الرقمية والانتشار الواسع لتقنيات الاتصال الحديثة، وهي تحولات انعكست بشكل مباشر على أنماط التفاعل الاجتماعي، وأساليب التعليم والعمل، وحتى على الصحة النفسية للأفراد. وقد حذرت منظمات دولية من تداعيات متزايدة لهذه الظاهرة في حال غياب سياسات تنظيمية متوازنة للفضاء الرقمي.
أكدت منظمة الصحة العالمية في بيان لها أن الاستخدام المفرط للمنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي ارتبط بارتفاع مستويات القلق والاكتئاب والعزلة الاجتماعية، خاصة بين فئتي الشباب والمراهقين. وأشارت المنظمة إلى أن الصحة النفسية لم تعد تتشكل في البيئات الواقعية فحسب، بل أصبحت تتأثر بشكل كبير بالفضاء الرقمي أيضاً. وشددت المنظمة على ضرورة إدماج التربية الرقمية ضمن السياسات التعليمية والصحية لتعزيز الاستخدام الآمن للتكنولوجيا والحد من آثارها السلبية على التماسك الاجتماعي.
أدت دراسات اجتماعية حديثة إلى الكشف عن أن التوسع في استخدام الإنترنت نقل جزءاً واسعاً من العلاقات الاجتماعية إلى الفضاء الافتراضي، مما أتاح تواصلاً أسرع وأكثر انتشاراً، ولكنه في المقابل أضعف بعض الروابط التقليدية داخل الأسرة والمجتمع المحلي. ويرى المتخصصون أن المجتمعات تواجه اليوم نمطاً جديداً من "الترابط الرقمي" الذي يعيد تشكيل مفهوم الجماعة والانتماء، ويخلق هويات رقمية عابرة للحدود تتأثر بثقافات متعددة في آن واحد.
وفي سياق الهوية الثقافية، حذرت منظمة اليونسكو من أن التحول الرقمي غير المنضبط قد يؤدي إلى تراجع التنوع الثقافي وتهميش اللغات والهويات المحلية، ما لم يتم اعتماد سياسات تحمي الخصوصية الثقافية وتشجع الحوار بين الثقافات. وأكدت اليونسكو أن العولمة الرقمية تمثل فرصة لتعزيز التفاعل الثقافي، لكنها قد تتحول إلى عامل ضغط اجتماعي في المجتمعات ذات الموارد المحدودة بسبب "الفجوة الرقمية"، أي التفاوت في القدرة على الوصول إلى التكنولوجيا واستخدامها بفعالية.
أفاد الاتحاد الدولي للاتصالات أن نحو ثلث سكان العالم لا يزالون يعانون من ضعف أو انعدام في الوصول إلى الإنترنت، وخاصة في الدول النامية والمناطق الريفية. هذا التفاوت العالمي يفاقم التفاوت الاجتماعي ويحد من فرص التعليم والعمل الرقمي. وشدد الاتحاد على أن سد الفجوة الرقمية شرط أساسي لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة، داعياً إلى استثمارات دولية في البنية التحتية الرقمية وتوسيع برامج بناء القدرات.
صرحت المديرة العامة لليونسكو، أودري أزولاي، بأن التعليم الرقمي يمثل "فرصة تاريخية لتوسيع الوصول إلى المعرفة"، مؤكدة ضرورة ضمان الجودة وعدم تحويل الفضاء الرقمي إلى مصدر جديد لعدم المساواة. وتشير تقارير اقتصادية إلى أن العولمة الرقمية أسهمت في انتشار العمل عن بعد وظهور وظائف جديدة مرتبطة بالاقتصاد الرقمي، ما غيّر طبيعة سوق العمل ومتطلبات المهارات.
يشير تقرير أممي إلى أن التكنولوجيات الرقمية تستخدم اليوم في تجميع البيانات والذكاء الاصطناعي لتشخيص المشكلات في مجالات الزراعة والصحة والبيئة، أو لأداء مهام يومية. ورغم إمكانية استخدام هذه التقنيات للدفاع عن حقوق الإنسان، إلا أنها قد تستخدم أيضاً لانتهاك تلك الحقوق عبر مراقبة الحكومات والشركات لسلوكيات الأفراد واستغلال بياناتهم. وفيما يتعلق بوسائل التواصل الاجتماعي، التي تربط قرابة نصف سكان العالم، فإنها تُمكّن الناس من إسماع أصواتهم، لكنها يمكن أيضاً أن تعزز أشكال التحيز وتزرع الفُرقة.
وفي ختام هذه التحديات، دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى تعزيز الحوكمة الرقمية العالمية، وحماية الخصوصية، ومكافحة خطاب الكراهية والمعلومات المضللة، مؤكداً أن التحول الرقمي يجب أن يكون في خدمة الإنسان والتنمية الاجتماعية. ويجمع مراقبون على أن نجاح المجتمعات في مواجهة تحديات العولمة الرقمية مرهون بتبنّي سياسات شاملة توازن بين الابتكار وحماية القيم الاجتماعية، لضمان أن يكون التقدم الرقمي أداة للعدالة لا مصدراً لانقسامات جديدة.
علوم وتكنلوجيا
علوم وتكنلوجيا
علوم وتكنلوجيا
علوم وتكنلوجيا