جدل قانوني واجتماعي في سوريا: تعميم وزارة العدل يكرّس حرمان الأم من ولاية أطفالها


هذا الخبر بعنوان "تعميم وزارة العدل يعيد الجدل حول حق الولاية على القاصر .. ابن عم الجد أقرب من الأم؟" نشر أولاً على موقع snacksyrian وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ١٨ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
أثار تعميم جديد صادر عن وزارة العدل جدلاً واسعاً حول حق ولاية الأم على أطفالها القاصرين. فقد أعاد التعميم التأكيد على حصر الولاية على القاصر بالأب والأقارب من جهة الأب، وفقاً لعصبة الدم، لتشمل حتى ابن عم الجد، مع استبعاد الأم من حق الولاية. وقد دفع هذا الإجراء ناشطين وناشطات إلى تجديد الدعوات لتعديل ما وصفوه بـ «القانون التمييزي».
لم يقدم التعميم الجديد تغييرات جوهرية في تراتبية حق الولاية على القاصر، بل أعاد التأكيد على مواد القانون المدني وقانون الأحوال الشخصية. هذه القوانين تمنح الولاية على نفس القاصر للأب، ثم الجد العصبي، ثم الأخ الشقيق، وصولاً إلى أعمام الطفل وأعمام الأب وأعمام الجد، وحتى ابن عم الجد العصبي.
لكن التعميم ألغى شرط موافقة القاضي الشرعي في مسائل استصدار جواز سفر أو تأشيرة خروج للقاصر، مكتفياً بحضور الوصي الشرعي. وبناءً عليه، توقفت المحاكم الشرعية عن تلقي طلبات تعيين وصي خاص لهذه الإجراءات أو لأي شأن آخر يندرج ضمن الولاية على النفس.
يُبرز التعميم مجدداً أن القانون يمنح الولاية على القاصر لأقارب الأب، بغض النظر عن درجة القرابة، متجاهلاً بشكل كامل أحقية الأم بهذه الولاية، رغم كونها الأقرب لطفلها منطقياً وعملياً مقارنة، على سبيل المثال، بابن عم جده.
فتح التعميم باب النقاش مجدداً حول ضرورة تعديل قانون الأحوال الشخصية وإلغاء الجوانب التمييزية ضد المرأة فيه. في هذا السياق، طالبت الناشطة حنين أحمد بإصدار قرار يوضح من هو الوصي الشرعي عن الأم نفسها، مشيرة إلى أن الأم لا يمكن أن تكون وصية على أحد. ووصفت حنين أحمد القرار بأنه «رجعيّ بحق نساء سوريا وصباياها، وكأن كل التهميش الحالي لا يكفي».
من جانبه، أعرب المحامي المعتصم الكيلاني عن قلقه البالغ من التعميم، لما ينطوي عليه من آثار قانونية خطيرة تمس بشكل مباشر حقوق الأم السورية والطفل، وتكرّس تمييزاً صريحاً في مسألة الولاية على القاصر. وشرح الكيلاني، عبر فيسبوك، الآثار القانونية المترتبة على التعميم، بما فيها حرمان الأم، حتى وإن كانت الحاضنة الفعلية للطفل، من مراجعة شؤون ابنها المتعلقة بالسفر والجوازات وتأشيرات الخروج.
وأشار الكيلاني إلى أن التعميم يخالف مبدأ المصلحة الفضلى للطفل المنصوص عليه في اتفاقية حقوق الطفل التي انضمت إليها سوريا، فضلاً عن تكريسه للتمييز القائم على الجنس ومخالفته للقانون الدولي. وطالب الكيلاني بإعادة النظر في التعميم أو إلغائه، وتعديل النص بما يعترف صراحة بحق الأم في الولاية على النفس والوصاية القانونية على طفلها دون تمييز، ومواءمة التشريعات والتعاميم مع التزامات سوريا الدولية.
في المقابل، قدمت المحامية نور جحا وجهة نظر مختلفة، حيث اعتبرت أن هدف التعميم هو منع تهريب القاصرين وحماية مصالحهم. إلا أنها أقرت بأنه خلق تحديات حقيقية للأمهات والأسر المنفصلة، خاصة عندما يكون الأب مسافراً أو منقطعاً عن التواصل. هذا الوضع يجعل إجراءات السفر في هذه الحالات طويلة ومعقدة، مما قد يعيق أحياناً علاج الأطفال أو متابعة دراستهم في الخارج.
وأوضحت نور جحا، عبر صفحتها على فيسبوك، أن القانون يحمي القاصر، لكن العدالة تتطلب الموازنة بين النص الجامد والمصلحة الإنسانية. وأكدت أن مصلحة القاصر لا تتحقق بالمنع فقط، بل أحياناً بمنحه حق السفر برفقة من يرعاه ويصون مصلحته فعلاً.
من جانبها، وصفت الناشطة منى فريج التعميم بأنه «إهانة مباشرة لواقع نعيشه كل يوم»، ولنساء حملن العائلة والمجتمع على أكتافهن حين غاب «الذكور» قسراً أو قهراً أو قتلاً. وأضافت فريج، في منشور عبر فيسبوك، أن والدتها رفضت الوصاية من ذكور العائلة وواجهت مجتمعاً بأكمله، متسائلة كيف يمكنها أن توافق على الانتقاص من أهليتها ودورها وكرامتها بالسكوت عن «تعميم العار».
وأشارت منى فريج إلى أخواتها اللواتي ربّين أطفالهن في غياب أزواجٍ بحثاً عن حياة أفضل، وكنّ الأم والأب والمعيلة والحامية وصاحبة القرار في كل تفصيل من تفاصيل الحياة، مؤكدة أنهن «لم ينتظرن توقيع رجل ليقمن بواجبهن، ولم يحتجن إذناً ليكنّ مسؤولات».
وختمت فريج بأنها امرأة كاملة الأهلية ولن تحترم قانوناً ولا سلطة ولا من سنّ قانوناً ينتقص من أهليتها أو يقلّل من قيمتها، أو يشطب تاريخ نساءٍ صنعن الحياة وسط الخراب. واعتبرت أن القوانين التي لا تعترف بالواقع ولا تحترم التضحيات هي قوانين فاقدة للشرعية الأخلاقية قبل أي شيء آخر.
أصدر اللوبي النسوي السوري بياناً أعرب فيه عن رفضه للتعميم، معتبراً أنه يأتي ضمن سياسة السلطة لتهميش السوريات لكونهن نساء. وأشار البيان إلى أن التعميم «يحوّل النساء السوريات إلى آنية للحمل وأداة للإنجاب ومجرد مقدمة رعاية عابرة في حياة الفرد»، ويجعل السيدة السورية «كائناً هامشياً لا صوت ولا رأي لها في كل ما يخص حياة أولادها»، ويصبح أبعد ذكور العائلة «أجدر وأقرب لطفلها منها».
وطالب اللوبي النسوي السوري بالتراجع الفوري عن التعميم، مؤكداً أنه «يهين النساء السوريات» و«تمييزي مجحف سينعكس سلباً على المجتمع السوري وخصوصاً النساء والأطفال». وحذر البيان من أن النساء السوريات «لن يقبلن بتمرير تمييز وراء آخر ليجدن أنفسهن بعد فترة يطالبن بعودة قوانين متخلفة سابقة من فترة بائدة بعد أن ناضلن ضدها، لأنها أفضل مما يسنّ الآن»، في وقت يُفترض أن البلاد في مرحلة بناء الدولة وإعادة الحقوق.
يُذكر أن مسألة الوصاية الشرعية على القاصر هي إحدى القضايا التمييزية العديدة ضد النساء في قانون الأحوال الشخصية السوري. فبالإضافة إلى عدم امتلاك الأم صلاحية السفر بابنها دون موافقة «الوصي الشرعي»، تواجه الأمهات السوريات عوائق أخرى، أبرزها عدم امتلاك الأم السورية الحق في منح جنسيتها لأبنائها من زوج غير سوري.
سياسة
سياسة
سياسة
سياسة