تعميم وزارة العدل السورية يشدد شروط تعيين وكلاء عن المغتربين: حماية للحقوق وضبط للإجراءات


هذا الخبر بعنوان "ما هدف تعميم “العدل” بشأن تعيين وكلاء عن المغتربين السوريين" نشر أولاً على موقع enabbaladi.net وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ١٩ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
أصدرت وزارة العدل السورية تعميمًا جديدًا موجهًا إلى المحاكم الشرعية في جميع العدليات، يهدف إلى تشديد إجراءات تعيين وكلاء قضائيين عن الأشخاص المقيمين خارج سوريا. ويأتي هذا التعميم ليحدد آليات التعامل مع المغتربين في الدول التي تتوفر فيها بعثات دبلوماسية أو قنصلية سورية قادرة على تقديم خدمات تنظيم وتصديق الوكالات.
وبحسب التعميم، الذي نشرته الوزارة في 16 من كانون الأول، فإن وجود الشخص في دولة تتوفر فيها بعثة قنصلية سورية مختصة بتنظيم الوكالات، ينفي تلقائيًا توفر حالة الغياب الموجبة لتعيين وكيل قضائي. وهذا ينطبق سواء تمكن الشخص من تنظيم وكالة أصولية عبر البعثة، أو كان قادرًا على التواصل وإدارة شؤونه عبر وسائل الاتصال الحديثة، وفقًا لما ورد في التعميم.
ويستند التعميم إلى الأصل القانوني الذي يجيز للشخص كامل الأهلية إدارة شؤونه بنفسه أو عبر وكيل يعينه أصولًا. وقد منع التعميم تعيين وكيل قضائي إلا في حالات استثنائية، كتعرض الشخص لظروف قاهرة تمنعه من إدارة مصالحه أو العودة إلى مكان إقامته لمدة تزيد على سنة، ما قد يؤدي إلى تعطل مصالحه أو مصالح غيره.
وطالبت وزارة العدل المحاكم الشرعية بضرورة التدقيق الشديد في طلبات تعيين الوكلاء القضائيين. ويشمل ذلك التحقق من أن مدة الغياب تتجاوز السنة، والتأكد من مكان وجود الشخص أو عدم معرفة هذا المكان، بالإضافة إلى التأكد من عدم وجود بعثة سورية في بلد الإقامة تقدم الخدمات القنصلية اللازمة.
وقد لاقى التعميم ردود فعل متباينة؛ ففي حين رحب قانونيون به، معتبرين أنه يتضمن إجراءات إدارية تسهل وتحدد آلية تعيين الوكلاء القضائيين للمغتربين، رأى مغتربون أن التعميم بمثابة قانون جديد يفرض شروطًا وآليات محددة لتعيين وكلاء قضائيين عنهم في الداخل السوري.
من جانبه، اعتبر الخبير القانوني والمتخصص في مجال حقوق الإنسان والقانون الجنائي الدولي، المعتصم الكيلاني، أن التعميم الصادر عن وزارة العدل ليس تشريعًا بقانون جديد، بل هو إجراء إداري تنظيمي يُنفذ ضمن إطار القواعد القانونية القائمة. وأوضح الكيلاني أن التعميم يمثل تعليمات داخلية تحدد كيفية تطبيق قواعد القانون المدني وقانون الأحوال الشخصية في الحالات الخاصة بالغائبين والمقيمين في الخارج، خاصة في حال وجود بعثات قنصلية سورية قادرة على إتمام الإجراءات ضمن تلك الدول.
وفي حديثه إلى عنب بلدي، فسر الخبير القانوني أن التعميم لا يُشير إلى تغيير نصوص القانون نفسه من الناحية القانونية، بل ينظم إجراءات تنفيذ الحقوق القائمة، مثل تعيين وكيل قضائي للغائبين أو المقيمين خارج سوريا. كما يهدف إلى تسهيل أو تنظيم كيفية إبرام الوكالات القضائية للأشخاص غير القادرين على الحضور شخصيًا أمام القضاء في سوريا، ويشكل جزءًا من تنفيذ نظام الوكالات القضائية ونظام تعيين الوكلاء للأشخاص الغائبين كما ورد في قانون الأحوال الشخصية السوري.
بدوره، اعتبر المحامي فادي مجدمة أن تعميم وزارة العدل يُعد تعليمات إدارية تنظيمية ملزمة، تهدف إلى توحيد الاجتهاد والإجراءات عند النظر في طلبات تعيين وكيل قضائي عن الغائب. وأكد مجدمة، في حديثه إلى عنب بلدي، أن التعميم لا ينشئ قاعدة قانونية جديدة، بل يفسر ويُفعل النصوص النافذة في القانون المدني وقانون الأحوال الشخصية، ويضع ضوابط دقيقة للتحقق من صفة الغياب وحدوده وحالة الضرورة، ويمنع التوسع غير المبرر في اللجوء إلى الوكالة القضائية البديلة متى أمكن تنظيم وكالة أصولية مباشرة، ما يجعله ضمن الإطار التنظيمي التنفيذي لا التشريعي.
وعن دوافع إصدار التعميم، استنتج الخبير القانوني المعتصم الكيلاني، أن الدوافع منطقية وإجرائية، وتتمثل في معالجة صعوبات عملية للمغتربين الذين يفتقرون إلى طريقة قانونية بسيطة لإدارة شؤونهم القضائية داخل سوريا بسبب النزاع والتهجير، حيث يسعى التعميم إلى تنظيم هذه الإجراءات من البعثات القنصلية في الخارج بدلًا من إضاعة الوقت في العودة. كما يهدف إلى توحيد الإجراءات وتقليل التباين الإداري بين المحاكم، والتقنين الرسمي للوكالات القضائية لضمان عدم استخدام الصلاحيات بطرق غير قانونية.
وبالنسبة إلى أهمية التعميم، يلخصها الكيلاني بعدة نقاط، أبرزها تسهيل الوصول إلى العدالة للمغتربين وأسر الغائبين لإدارة شؤونهم من الخارج دون العودة إلى سوريا شخصيًا، والسماح بتوثيق الوكالات من خلال البعثات القنصلية، ما يعزز الاعتراف القانوني بها داخل النظام القضائي السوري، بالإضافة إلى تقليل البيروقراطية وتحسين التنظيم من خلال توحيد الإجراءات في المحاكم السورية والبعثات الخارجية.
أما المحامي فادي مجدمة، فيبين أن أهمية التعميم تظهر عمليًا وقضائيًا على عدة مستويات، أبرزها حماية حقوق الغائب من خلال الحد من تعيين وكلاء قضائيين دون تحقق جدي من قيام حالة الغياب الفعلي أو تعذر التواصل، بما يمنع إساءة استعمال الوكالة أو الإضرار بذمة الغائب وحقوقه. كما يساهم في ضبط عمل المحاكم عبر إلزام القاضي بالتحقق من عدم وجود وكالة سابقة، ومدى القدرة الواقعية على التواصل مع الغائب، وتوافر الضرورة الفعلية التي تبرر التعيين، إضافة إلى الحد من حالات التحايل التي كان يُلجأ فيها إلى تعيين وكيل قضائي رغم إمكانية تنظيم وكالة أصولية.
وجاء التعميم استنادًا إلى مراسلة من وزارة الخارجية والمغتربين، بيّنت فيها لجوء بعض الأشخاص إلى استصدار وثائق من المحاكم الشرعية لتعيين وكلاء قضائيين عن مغتربين، بهدف التهرب من الرسوم القنصلية المفروضة على الوكالات المنظمة لدى البعثات السورية في الخارج. وأكدت الوزارة في تعميمها أن تنظيم وثائق تعيين وكلاء قضائيين في مثل هذه الحالات يُعد مخالفًا للأحكام القانونية النافذة، فضلًا عما يترتب عليه من خسارة للخزينة العامة نتيجة تفويت الرسوم القنصلية المستحقة.
وقد رأى البعض أن هذا القرار سيلزم المغتربين بزيادة الأعباء المادية، وهو ما كان يدفعهم لتعيين الوكلاء داخل سوريا، معتبرين أن التعميم كله يهدف إلى زيادة التحصيل المالي منهم. وقد أكدت الوزارة في تعميمها أن تنظيم وثائق تعيين وكلاء قضائيين في مثل هذه الحالات يُعد مخالفًا للأحكام القانونية النافذة، فضلًا عما يترتب عليه من خسارة للخزينة العامة نتيجة تفويت الرسوم القنصلية المستحقة.
ويوضح المحامي فادي مجدمة أنه من الناحية الواقعية قد يترتب عبء مالي إضافي في بعض الحالات، لكنه من الناحية القانونية لا يُعد ضررًا غير مشروع. فالتعميم لا يمنع التوكيل، وإنما يقيد اللجوء إلى التوكيل القضائي الاستثنائي عند عدم توافر شروطه، مؤكدًا أن المغترب القادر على تنظيم وكالة أصولية عبر السفارات أو القنصليات، أو عبر وسائل الاتصال المعترف بها قانونًا، لا يكون تعيين وكيل قضائي داخل سوريا مبررًا في حقه.
ويختتم مجدمة بالقول إن ارتفاع كلفة الوكالة الخارجية أو استغراقها وقتًا أطول يقابله تحقيق سلامة التصرفات القانونية ومنع ضياع الحقوق أو نشوء منازعات لاحقة بسبب وكالات قضائية واسعة مُنحت دون رقابة كافية.
بدوره، يرى الخبير القانوني المعتصم الكيلاني أن التعميم قد يقلل الحاجة إلى التوكيل داخل سوريا متى كانت البعثات القنصلية قادرة على استكمال الإجراءات بشكل نظامي، ما يخفف من تكاليف السفر أو اللجوء إلى وسطاء. لكنه يلفت في المقابل إلى أن توثيق الوكالات في الخارج قد يترتب عليه رسوم إدارية وقنصلية، وقد تكون الإجراءات في بعض الحالات أكثر تعقيدًا أو كلفة مقارنة بالتوكيل داخل سوريا.
ويخلص الكيلاني إلى أن الأثر المادي للتعميم يبقى مرتبطًا بمدى فعالية البعثات القنصلية وقدرة المستفيدين على الاستفادة من هذه الآليات، مشيرًا إلى أنه في حال حُسن تنظيمه قد يسهم في تخفيف الأعباء على المغتربين بدل زيادتها.
وفي سياق متصل، شهدت الخدمات القنصلية المقدمة للمغتربين في الخارج من قبل وزارة الخارجية والمغتربين السورية تسهيلات عدة للحصول على الخدمة المحددة، وكان أبرزها إطلاق تطبيق “MOFA SY”، الذي يتيح للمواطنين والمغتربين السوريين الاستفادة من مختلف خدمات الوزارة بسهولة وسرعة عبر هواتفهم الذكية. وأشارت الوزارة في منشور عبر منصة “فيسبوك”، في 13 من تشرين الثاني الماضي، إلى أن التطبيق أصبح فعّالًا في جميع البعثات الدبلوماسية للجمهورية العربية السورية حول العالم. كما أقرت “الخارجية” تعديلات في القنصلية السورية باسطنبول مرتبط.
سياسة
سياسة
سياسة
سياسة